قبل عدة أيام، قام موقع “يوتيوب” بحذف فيديوهات عن جرائم الحرب السورية بحجة وضع حد لانتشار مواد يضعها أفراد، أو حسابات زائفة تابعة لتنظيمات “إسلامية” متطرفة، تعدى الحذف إلى مقاطع مصورة لنشطاء من منظمات سورية ودولية توثق وقائع الثورة ومجرياتها.
عزا الموقع، تحت ضغط الانتقادات، هذا الخطأ إلى التقنية الجديدة التي استحدثها، وكانت تحذف تلقائياً فيديوهات المتطرفين ومعها قمع مظاهرات الناشطين السلميين والاعتداء عليهم، ومظاهر المقاومة التي أبداها المدنيون وما تعرّضوا إليه من قصف ودمار، وما ارتكبه النظام من فظائع. ما اضطر كريس وودز رئيس منظمة “اير ورز” إلى التحذير من “اختفاء تاريخ هذه الحرب الكارثية أمام أعيننا”.
تجتاز الحرب السورية عامها السابع، ولم تضع أوزارها بعد، على الرغم من تصريحات قادة دول كبرى وصغرى، ومحلّلين سياسيين عرب وغربيين تؤكد انتهاءها. الاتجاه الواضح ينحو إلى تهيئة السوريين للأمر الواقع، ما زال عليهم العيش في جحيم الدكتاتورية، لمجرد أنها تشكّل ضمانة دولية للمساومات على المصالح الإستراتيجية في العالم. ما يشمل أيضاً شعوب المنطقة، خاصة أولئك الذي مرّ الربيع ببلدانهم، وخلّف نيراناً لم تنطفئ.
” يوتيوب أحد الخزانات الموثقة لمسار الثورة السورية”
يطمح موقع “يوتيوب” أن تقدّم إنجازاته ما يدحض مقولة “إن التاريخ يكتبه المنتصرون” لتصبح “إن التاريخ تكتبه الحقائق بالصوت والصورة”. الإجراء السابق، شكك في إمكانيته، فالقدرة على منع التاريخ، يعني أنه ما زال في عهدة المنتصرين. إن قابلية إلغاء أحداث مصيرية ذات دلالة يعود بالعالم إلى عهود الدول الشمولية.
أصبح “يوتيوب” واحداً من الخزانات الموثقة لمسار الثورة السورية، وعلى الرغم من تراجعه وإعادة الفيديوهات المحذوفة، فالحادثة تحيلنا إلى مثال فريد على قمع الحقائق في القرن الواحد والعشرين. يقوم به ما يُعد الموقع الأول لعرض الجرائم المرتكبة في بلدان الصراعات القائمة، لما يوفره من توثيق لها، يصبح في عداد المصادر المعتمدة في البحث.
الأمر الذي يستحيل تصوّره، أن محو التاريخ قد يصبح واقعاً، أو يتخذ شكل تهديد مسلط على ما أدّى إلى تحويل الربيع إلى جحيم، ويكشف أيضاً عن تواطؤ الدول الكبرى والضغوط التي تمارسها على شركات عملاقة.
لا، لم تشهد المنطقة مثيلاً لهذه الانتفاضات الشعبية العفوية من قبل، والمعنى الذي لا يجادل فيه، هو عودة الشعوب إلى مسرح الفعل. وفي الحقيقة، تتجه الجهود إلى سحب الربيع العربي من دورة الفصول، بل ومن الوجود، ومعه ملايين الضحايا، إضافة إلى الخراب غير المسبوق، بغرض التستر على مرتكبي أبشع الجرائم وحشية في عصرنا، من المجازر الجماعية والإبادة إلى الحصار والتجويع، واستعمال الأسلحة المحرمة دولياً.
يعتقد قادة العالم الكبار، أنهم يمثلون عقل البشرية وضميرها، وهما أمران مشكوك بهما، فالمصالح والطموحات لا تدع مجالاً إلا لارتكاب الجرائم، أحدها السعي كي تنسى الشعوب واقعها المنكوب، وإقناعها بالتنكر للعدالة.
-
المصدر :
- العربي الجديد