بمناسبة العام الجديد، هل من الممكن التنبؤ بالتطورات السياسية القادمة في العالم والمنطقة؟ ما نقصده بالعالم الحرب الأوكرانية التي اجتذبت أوروبا وأميركا إليها، وأصبحا طرفا فيها. أما المنطقة فيعنينا منها إيران وتركيا وسوريا.
صحيح أنه من العسير التنبؤ، لكن نهايات العام 2022 وضعتنا على عتبة ما يبدو متغيرات كبرى، كدلالة فورية، ففي طليعة العام أعلنت موسكو عن أكبر خسارة منيت بها في شرقي أوكرانيا، كان من ضحاياها ٦٣ جنديا روسيا، من جراء قصف للجيش الأوكراني بصواريخ أميركية، هذا ما اعترفت به وزارة الدفاع الروسية، بينما الأوكرانيون يقولون إن الخسائر أعلى بكثير جدا من هذا الرقم. يبدو من هذا الفاصل الحربي أنه على الرغم من المفاوضات السرية والمساومات والوساطات التي جرت في العام الماضي، إلا أنها كانت في الوقت المستقطع رغم الخسائر الهائلة للطرفين، ولم تسفر عن تراجع بوتين ولا استسلام زيلينسكي، فلم تفض إلى شيء.
الحرب الأوكرانية، ستتحول إلى أزمة قائمة، تهدد السلم العالمي من فترة لأخرى، هذا إذا لم يرحل بوتين ومعه سياساته المهزومة، ولم يحل محله رجل أسوأ منه
أما التوقعات الحالية فمتفائلة، سيتوصل الطرفان إلى اتفاق في منتصف العام الحالي، هذا حسب مصادر أميركية، تبدو مؤكدة لكنها غير مؤكدة فعلا، فالحرب الأوكرانية أصبحت حرب استنزاف للأطراف جميعا، ستتصاعد أو تنخفض حسب ما يدور في كواليس السياسة، ولن تنتهي إن لم تحفظ ماء وجه بوتين، والأغلب أنها لن تضع حدا لها باتفاق نهائي سياسي، وإنما بوضع معلق، حسبما اعتاد الشرق والغرب حل المشاكل المتأزمة بينهما حول الحدود، ومثلما أصبح هناك كوريتان، أو فيما مضى ألمانيا يشطرها جدار برلين، ونجم عن يوغسلافيا عدة دول. هكذا الحرب الأوكرانية، ستتحول إلى أزمة قائمة، تهدد السلم العالمي من فترة لأخرى، هذا إذا لم يرحل بوتين ومعه سياساته المهزومة، ولم يحل محله رجل أسوأ منه.
بينما انتقل الوضع السوري من حالة غامضة مؤجلة إلى حالة مكشوفة ومستعجلة، فالتطبيع المعلن بين سوريا وتركيا، يبدو أنه بدأ رحلة الألف ميل. وحسب ما هو مأمول منه، سينقذ الرئيس أردوغان في الانتخابات القادمة في حزيران، أي يجب أن يحقق تسارعا في الاندفاع إلى الأمام، مع أن أحدا لا يدري نتيجة الانتخابات، وفيما إذا كان التطبيع سيختصر بخطوات يؤمل أن تكون جدية، لتقنع الناخبين الأتراك بأنها ستكون مدخلا لحل القضية الكردية وقضية اللاجئين السوريين.
هل سيسمح النظام السوري بمنح هذه المكاسب للأتراك؟ الثمن باهظ، ويبدو أن أردوغان لن يبخل على النظام به، الكلفة كبيرة، وسيستنزف كل طرف الآخر، مع أن لدى النظام القدرة على المماطلة، ويتمتع بنفس طويل، لا يخفى على أحد، فهو ليس مضطرا، طالما لا يحق للشعب السوري رغم ما يعانيه، أن يشكل ضغطا عليه لتسريع التطبيع ليخفف عنه أعباء الاقتصاد المتدهور يوميا، على أمل الوعد بتحسين أوضاعه المعيشية مع الكهرباء. لكن النظام لا يفكر بالشعب ولا بمتطلباته، لذلك لن يحسب أي حساب لأي تنازل ينعكس على الناس، التنازلات يجب أن تنعكس على استمراريته. هذا السيناريو قد يكون صحيحا، لكن بوتين أعد سيناريو آخر، سيتقيد به النظام، سيرسل إليه لافروف الوزير المفوه، إلا إذا اضطر إلى الاتصال بالرئيس السوري.
هل يمكن للنظام الاعتماد على إيران، خاصة أن الرئيس الإيراني قادم إلى دمشق، مع أن الزيارة أصابها اللغط؟ الوضع الداخلي في إيران لم يحسم بعد، رغم أن استراتيجية الملالي القائمة على العنف قد أدت حتى الآن إلى مقتل 500 من المتظاهرين، إنها البداية، لكنها لم تبلغ بعد ما نصحوا به النظام السوري في عام 2011 باستعمال القوة ولو أدت إلى مقتل مليون شخص، ولقد بلغت هذا الرقم.
ينتظر الملالي خمود الاحتجاجات، وعلى الرغم من سمعتهم السيئة في القمع، ترددوا في استعمال القوة القصوى، فكانت بالتدريج، ولم تفلح في ثني المتظاهرين ولا في منع انتشار التظاهرات والصدامات، كانت في الحرص على عدم إصدار تعليمات بإطلاق الجنود النار عشوائي على المحتجين، خشية من انضمامهم إلى المنتفضين. ما زالت الأوضاع في إيران لا تبعث الثقة لدى سلطة تحاول إرضاء الناس من جانب، وتتحفز للانقضاض عليهم من جانب آخر. فكان توقيت التطبيع التركي السوري سيئا بالنسبة إليهم.
لا يصعب تقدير موقف إيران إزاء التطبيع، فهي ضده، فهو يحدد دورها في سوريا، لن يكون كما سبق، الدور التركي سيتوسع على حسابهم ويفسح المجال للخليج للعبور إلى سوريا. لذلك سارعت إيران وطالبت بامتيازات اقتصادية وسياسية، يبدو أنها لن تنالها. ما الخطوة التي ستقدم عليها إيران؟ قد تكون خطوة خطرة، هل بوسعها تحريك الجهات التي تتعاطف معها في الداخل، وإلى أي حد؟ ولا يجب نسيان معاناة الملالي في الداخل الإيراني، فالانتفاضة لم تنته، ما زالت كامنة، ولم تعد نسائية فقط، ولا قصة حجاب، باتت موضوع حريات وكرامة إنسانية.
الكارثة التي تجاوزت العقد، مع بقاء نظام مجرم مدان دوليا، لا يمكن أن تجد حلا سريعا بناء على أطراف تبحث عن مصالحها السياسية، لا مصالح شعوبها
أما الموقف الأميركي، فرافض للتطبيع ومحذر منه. أما ما الذي سيفعلونه؟ حتى الآن لا شيء، مجرد أنهم أبدوا انزعاجهم الشديد منه.
وبشأن التطبيع نفسه، لا بد من تعليق مؤقت، إنه لا أكثر من خطوة تكتيكية، لدى النظامين التركي والسوري، سيرافقه الكثير من الضجيج، والتقدم البطيء. عدا أنه خطوة في الاتجاه غير الصحيح، فالكارثة التي تجاوزت العقد، مع بقاء نظام مجرم مدان دوليا، لا يمكن أن تجد حلا سريعا بناء على أطراف تبحث عن مصالحها السياسية، لا مصالح شعوبها.
إذا كان لا يمكن التنبؤ، فلأن العالم غير مستعجل، يجتر أزماته، وغالبا معلقة، طالما من يدفع التكاليف الحقيقية هم البشر.
-
المصدر :
- تلفزيون سوريا