تشهد المنطقة تحركات دبلوماسية نشطة، بخصوص الأزمة السورية، تشارك فيها دول من المنطقة، إضافة إلى وزير الخارجية الأمريكي ووزير الخارجية الروسي، أعقبها عقد لقاءات منفصلة مطولة مع مساعد وزير الخارجية الإيراني ونائب وزير الخارجية الروسي، شارك فيها النظام السوري. جرى أيضاً دعوة ممثلين عن الائتلاف الوطني السوري إلى موسكو حيث سيعقد عدة لقاءات مع مسؤولين روس. إضافة إلى لقاء سري مع ممثل عن النظام السوري في السعودية، ولقاء علني مع وزير الخارجية السوري في عُمان، ما يوحي بأن الأزمة السورية على مشارف الحل السياسي.

هذا ولم يكف مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سورية ستيفان دي ميستورا، عن استنباط حلول للأزمة، حتى بعد فشل مبادرتين، وانتقاله إلى تجربة ثالثة، تجمع بين الميداني والسياسي. من حسن حظ دي ميستورا أنه يجد من يستمع إليه من الأطراف كافة، لكن على الأغلب في انتظاره فشل ثالث، حتى بعد أشراكه فاعلين إقليميين كانوا مستبعدين من المفاوضات. خاصة وأن مبعوثين دوليين عنان والابراهيمي سبقاه إلى الخيبة. عموماً لئلا نتشاءم، تعمل الأمم المتحدة على أن تُشعر العالم بوجودها، تؤدي دورها في هذه الحدود لا أكثر، إلا إذا شاءت الدول الكبرى توسيع هذا الدور.

لم يتحرك الروس والإيرانيون في المنطقة خاليي الوفاض، كل منهم يتأبط مبادرة لحل الأزمة السورية، فالروس تتضمن مبادرتهم الإبقاء على النظام، كذلك مشاركته في التحالف الدولي الإقليمي المنوي تشكيله ضد الإرهاب. أما الإيرانيون فتتضمن مبادرتهم، الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وإعادة تعديل الدستور السوري بما يتوافق وطمأنة المجموعات الأثنية والطائفية في سورية، وإجراء انتخابات بإشراف مراقبين دوليين.

لا تزيد هذه التحركات الدبلوماسية المدعومة بالمبادرات، عن أن الجميع سيستمعون إلى الجميع في رحلات مكوكية، تتسارع وتتباطأ، فالراعي الأمريكي الذي باركها، لم يلتزم حتى الآن بسياساته وتصريحاته تجاه الأزمة سوى بأن يمنع أي حل. لذلك الأزمة معطلة، الأولوية لمحاربة الإرهاب. كذلك على الأرض، لم تتغير وقائع الحرب، مازالت على وتيرتها، النظام يعاني من استنزاف قدراته وإمكاناته، تجلى بوضوح في انخفاض عدد قواته، وعدم القدرة على تعويضها، أرسلت له إيران بضعة آلاف من المقاتلين، لن ينفعوه إلا بالدفاع عن دمشق والساحل. ما دفعه إلى التخلي عن بعض المواقع لصالح المعارضة المسلحة في سبيل إعادة تجميع قواته في المناطق الخاضعة تحت سيطرته، والاكتفاء بشن هجمات جوية على الأراضي الخارجة عن سيطرته. وبهذا أصبحت سوريا أقرب إلى التقسيم أكثر من أي وقت مضى. ما يثير التساؤلات عن التصريحات التي كثيراً ما رددتها أغلب البلدان الفاعلة في الأزمة أنه لا تنازل عن سورية موحدة.

تعتقد الدول الكبرى أنه لا حل من دون بقاء النظام، انهياره يؤدي إلى السقوط في الفوضى، وطالما النظام متماسك، يمكن التوصل إلى حل سياسي. وكأن الفوضى بعيدة، مع أن سورية باتت أبرز مثال على الفوضى، فالمشهد السوري الكارثي تتجاذبه كافة أنواع الحروب؛ حرب النظام والمعارضة، حرب أهلية، حرب طائفية، عصابات النظام تعيث فساداً، عصابات الخطف مسرحها المناطق الموالية والمحررة على السواء، غلاء فاحش… يدير هذه الحروب، الجيش النظامي، عشرات الميليشيات المعارضة، ومثلها ميليشيات مذهبية مستقدمة من أفغانستان وباكستان بإشراف إيران، ميليشيات يموّلها رجال أعمال موالون للنظام وجهات ايرانية. تنظيم الدولة الإسلامية يسيطر على ثلث مساحة سورية، يسلط على الناس شريعة القتل والذبح. تنظيم “النصرة” بدأ بعد حيرة طويلة يجنح إلى منافسة “داعش” في العمل هو الآخر على خلافة أو إمارة أو دولة إسلامية… سمها ما شئت.

يدرك الجميع أن الجهود الدبلوماسية في واد وما يجري في واد آخر، لو كان هناك تحرك دولي جاد وفاعل، لجرى تقديم دعم نوعي للجيش الحر، وإلغاء جميع أنواع الميلشيات الإسلامية وغير الاسلامية، ومنع تدفق المقاتلين من جميع البلدان، وتوحيد المعارضة السورية. وطبعاً كف إيران عن التدخل في الشأن السوري، وسحب حزب الله من الأراضي السورية. النفوذ الإيراني لا مستقبل له، ليس في سورية فقط بل وفي والعراق واليمن ولبنان والبحرين، لاعتماده على بعث الصراعات الطائفية، وإشعال الحروب الأهلية، واستعمال الميليشيات المذهبية كرديف وبديل للجيوش النظامية.

المبادرات المطروحة ترضي أصحابها الإيرانيين والروس، الذي أسهموا في استمرار الازمة السورية، وأسهموا بقتل مئات الآلاف، وتهجير الملايين، وخراب شامل. وما زالوا يطمحون إلى التحكم في مصائر سورية والسوريين. لذلك لا يمكن لأي مبادرة تغمط حقوق السوريين السلمية أن تمر، كل ما يعرض تحت لافتة مكافحة الإرهاب هو لتأهيل نظام فاسد، مع العلم أن السوريين أكثر المتضررين من الإرهاب، أما المبادرات فاستبدال إرهاب بإرهاب.

ان لم ينظر أي حل بعين العدالة إلى ملايين السوريين الذين طالبوا بالحرية لا ليعودوا إلى دولة المخابرات والطغيان، وإنما ليعيشوا حياة حرة كريمة، هو جريمة كبرى تنال شعباً بأسره. وفي حال نجح الامريكان والإيرانيون والروس في تمرير جريمتهم، فسوف تكون درساً للسوريين لئلا يفكروا بالحرية. عندئذ فلنتوقع ملايين الإرهابيين، هؤلاء الذين لم تنصفهم العدالة، من الأولاد الذي بلغوا سن الرشد على الظلم يحملون السلاح.