لم يحظ بلد بما حظيت به سورية في العهد الأبدي القشيب لعائلة الأسد، وليس عائداً للمصادفة، كان بعد عدة انقلابات عقب الاستقلال، أفضت إلى انقلاب دعي بثورة الثامن من آذار، تلتها عدة ثورات انقلابية من النمط نفسه، ثم جاء التصحيح فصححها، عادت بالحظ على الشعب بالأمان والاستقرار، على الرغم مما شهدته سورية من المتاعب كحادثة حماه، حين حاول الإرهابيون الاستيلاء على المدينة، فكان القضاء عليهم بجميع أنواع الأسلحة، الثقيلة خاصة، ولم تستثن السكاكين للذبح. ومؤخراً في العقد الماضي في زمن دعي بالربيع العربي بعض القلاقل في عام ٢٠١١ لم تهدأ حتى الآن، ساعدنا الأصدقاء من إيران وروسيا ضد التكفيريين بتحويل الربيع إلى جحيم.

هذه هي رواية النظام، يشوبها الكثير من التبسيط، أما النتيجة، فكان الاستقرار الذي أَثبت ولو مؤقتاً رسوخه الدموي، وكلف مئات آلاف القتلى وملايين النازحين واللاجئين. جرى تصميم هذه العملية من أجل سورية المفيدة، أثمرت التخلص من نحو ثمانية ملايين سوري بعملية لا تقل عن الطرد خارج البلاد، بالباصات ومشياً على الأقدام، براً وبحراً. تلاها ترتيبات كانت في وضع العراقيل أمام عودتهم إلا تحت إشراف الأجهزة الأمنية.

وحسب النظام أيضاً، ما الذي وفر للشعب السوري الأمان، ومن بعد التقدم والازدهار؟ يعيش السوريون في جمهورية يقودها طاقم من الدكاترة من كافة الاختصاصات سياسية اقتصادية علمية بيطرية …

أما ما الذي حدث؟
فالاقتصاديون سرقوا البلد، والمهندسون هندسوا للدمار، والسياسيون أسلموا البلد للاحتلال، والجيش مزق الجمهورية، والمثقفون خدعوا الشعب، أما أساتذة الشريعة فشرعوا القتل والخنوع، فلا الاقتصاديون اقتصاديين، ولا المهندسون مهندسين، ولا مثقفو النظام مثقفين، وهلم جراً، جميعهم مجرمون. وربما الأطباء ليسوا أطباء، ما دام طبيب العيون رئيس البلاد أعمى، لا عمل له سوى البقاء على كرسي الحكم تنفيذاً لوصية الراحل الخالد: اقبض على القصر الجمهوري بأسنانك.

ما الذي سيحفظ البلد، إذا كان القائمون على أمورها، مطلوبين من العدالة والمحاكم الجنائية الدولية؛ لا يزيدون عن ميليشيات من قتلة ومجرمين ومهربين ولصوص وتجار مخدرات وصانعي كبتاغون… لا يملكون ذرة من ضمير.

تسمح لنا هذه الخلاصات الملتبسة عن عمد، التأمل في الشر المخيم على سورية، واستفحاله بالأكاذيب إلى حدود يلبس ثوب البراءة المطلقة، بينما هو الشر بالمطلق وفي أوقح مظاهره، عندما يرسف المعارضون في السجون، والشعب مكمم الأفواه، بلا كهرباء، ولا وقود، ولا خبز، ولا غاز، يعانون من الغلاء، ومتروكون للمساعدات والإعانات الدولية، وهناك الملايين مشردون في أرجاء العالم.

ما سبق، من قبيل الكلام المكرر، الذي لا يجهله أحد، ليتنا نحن السوريين التوقف عن جلد أنفسنا، والاستنقاع في تبادل الاتهامات، والتفكير بعقلانية، ليس هناك مصيبة تتجاوز مصيبتنا، لدينا الكثير مما نقوم به، وهو أن نقدم لشعبنا أفضل ما يمكن فعله، كل من موقعه، وهو الأجدى لنا ولسورية.