ليس خبراً طيباً أن تحرز سوريا لقباً آخر، فبعدما أصبحت من الدول الفاشلة، تسعى إلى الحصول على لقب دولة المخدرات، هل هناك حضيض أكثر؟ تسببت الحرب بمقتل نحو مليون شخص، ولا يقل الجرحى وذوي العاهات عن هذا الرقم، عدا عن سبعة ملايين لاجئ وثمانية ملايين نازح وبلد في وضع كارثي، اقتصاد مصاب بالشلل، العقوبات تلاحقه وتضرب حوله الحصار، لكن النظام استطاع اختراقه بالمخدرات.
ليس خبراً طيباً، إذا كنا متشائمين، لكن لو اطلعنا على النتائج فسوف نتفاءل، يختلف الوضع تماماً، ففي عام 2020، وصلت صادرات الكبتاغون من سوريا إلى مبلغ لا يقل عن 3.46 مليارات دولار، وهو رقم تخميني، سقف السوق أعلى بكثير من هذا الرقم، وتتجاوز صادرات سوريا مجتمعة. كما أن عام 2021 تبشر حصيلته بارتفاع الرقم إلى عدة مليارات. واليوم نحن في بداية عام 2022، لن تكون الصادرات أقل طبعا بل أكثر، فالمعامل في الداخل بازدياد لا في تناقص.
المستقبل واعد حسب التقارير: “سوريا هي المركز العالمي لإنتاج الكبتاغون”، ومع التقدم الحثيث، بات الإنتاج أفضل تصنيعاً وتكيفاً وتطوراً تقنياً من أي وقت مضى. وما سيدره من عائدات يشير لإمكانية تأمين تمويل حرب أخرى ضد الشعب، تعمل على تمويته أو تهجيره، لا تنقصها على الهامش أدوات للتعذيب والقتل.
بالعودة إلى مصدر فكرة دولة المخدرات العبقرية، فالفكرة ليست محلية، المافيات في العالم على اتصال ببعضها بعضاً، يتعلم النظام منها ويتلقى الدروس على يديها.
اعتمدت مافيات ذات تاريخ عريق هذه الصناعة الرابحة، وإذا كان النظام قد تحالف معها منذ زمن
اعتمدت مافيات ذات تاريخ عريق هذه الصناعة الرابحة، وإذا كان النظام قد تحالف معها منذ زمن، فتحت غطاء النضال ضد الإمبريالية العالمية، وأصبحت مصدر تمويل للجماعات المسلحة، وفي السنوات الأخيرة بعدما أخذ النظام يوطد سيطرته على المناطق المحررة، اعتمد هذه الصناعة والتجارة، ورسخ دوره كمستفيد رئيسي منهما. ولم يكن لهذا أن يحصل لولا استجابة عدد غير قليل من رجال أعمال النظام، بالتحول من أمراء الحرب إلى أمراء المخدرات.
استكمال قوة هذه الصناعة وتأثيرها، يلقى تقديراً بالنظر إلى الجانب الإيجابي منها، والتي تعود بالفائدة على الداخل، ليس لما تدره من المال، بل لما تنشره من السعادة والنشوة، أي أنها لا تقتصر على البلد المستورد، بالتالي لن يحرم منها البلد المصدر.
ليس هناك أفضل من هكذا غاية نبيلة، تعد أفضل تطبيق لديمقراطية السعادة.بالمناسبة لا تميز بين الفقراء والأغنياء والطيبين والأشرار، تمنح الجميع المشاعر نفسها، فلماذا تعمم على العالم، أو تختصر بالخليج والسعودية، السعادة مطلوبة في الداخل. إذا كانت تمنح للأشقاء والأعداء، فماذا عن الشعب؟ إذا لم تستطع الدولة تأمين الخبز والكهرباء والوقود له في هذا الزمن وربما في المستقبل المنظور، لكن من الممكن توفير شيء ما معتبر تقديراً لصبره، ليس القدرة على مقاومة الموت جوعاً وبرداً، وإنما المقدرة على الاستخفاف بهذا الشظف الذي طاول الحياة، بما يعدل المزاج. ولا يكلف الكثير، فلا تكاليف حمولة ولا مخاطر شحن، زهيد الثمن، حتى أنه يدعى “كوكائين الرجل الفقير” لرخص سعره بالنسبة للأنواع الأخرى مرتفعة الثمن، ما يوفره للمستهلك السوري بسعر الكلفة، فسوريا غدت بلد المنشأ. ما يخفف عن الشعب عناء الانزعاج عن انقطاع الكهرباء، ونسيان هموم الخبز ومواكب الوقود.
اليوم، إذا كان الذين يستخدمونه في العالم يبحثون عن مزيد من الرفاهية، فلأنهم لا يتحملون ما يتحمله المواطن السوري. لكن المشكلة، أن السوري لن يظفر بهذه المتعة، مهما انخفض سعره، فما يجنيه بعرق جبينه، لا يكفيه إذا كان محظوظا سوى للبقاء على قيد الحياة.
استعمله أشاوس الميليشيات من جميع الأطراف، وأبلى بلاء حسناً، ففتحت له الحدود والحواجز، وتنقل بحرية بين المحرر وغير المحرر، وحارب كلاهما بمنتهى الشجاعة، وقتلوا بعضهم بمنتهى النشوة
إذا مَن هم السوريون الذين سيستفيدون منه؟ بالنظر إلى الميزة اللافتة التي يهبها هذا الكبتاغون العجيب، وهي الحيوية والشجاعة مع النشوة، ما جعله فعالاً في الحرب، فقد استعمله أشاوس الميليشيات من جميع الأطراف، وأبلى بلاء حسناً، ففتحت له الحدود والحواجز، وتنقل بحرية بين المحرر وغير المحرر، وحارب كلاهما بمنتهى الشجاعة، وقتلوا بعضهم بمنتهى النشوة.
غير أن مردوده في مراكز الاعتقال كان ملموساً، فقد تمكن الجلادون من الانهماك بالتعذيب لمدة أربع وعشرين ساعة متوالية، وتسلوا بتعذيب المعتقلين من دون تأنيب ضمير، فالمتعة مضادة للضمير، وحصلوا على النشوتين؛ نشوة الكبتاغون ونشوة التعذيب. مع العلم، أن النشوة مع الشجاعة، لا تزيد السعادة فيها عن نشوة وشجاعة كيميائيتين، فالجبان جبان، والحقير حقير، والوغد وغد.
هذه الصناعة قابلة للتأقلم مع مثيلتها في المكسيك على سبيل المثال، ما دام أنها قائمة على عصابات متفاهمة، ثم أصبحت متنافسة، وهي الآن عصابات تتقاتل في الداخل على أسواق الخارج، حرب تقتل يومياً نحو 100 شخص، تستعمل فيها الأسلحة المتوافرة من الأنواع الخفيفة، بينما ميليشيات النظام التي لا تزيد في الواقع عن عصابات الشبيحة، لديها أسلحة ثقيلة أيضاً، ما سيجعلها تخوض حرباً ضروساً فيما بينهما، ولا يخفى أن معظم ما تضبطه سلطات الجمارك في العالم، تحصل على معلومات عنه، من إخباريات العصابات نفسها المتنافسة. هذه الحرب مرشحة ساحاتها في الداخل السوري، ووقودها جاهز، إنه الكبتاغون كوكائين الرجل الفقير، وسوف يدفع ثمنها الرجل الفقير.
ما يؤلم تحوّل سوريا من بلد كان يعد قلب العروبة النابض، إلى بلد مرشح ليكون قلب العروبة المخدر، هذا ما يقال.
للعلم، سوريا ليست مخدرة، إنه نظام الكبتاغون.
-
المصدر :
- تلفزيون سوريا