يُعد كتاب “رجوع الشيخ إلى صباه” عملاً محرّضاً للباه، وهو كتابٌ تراثي قرأه الأجداد والآباء والأحفاد، طبعاً ليس كلّهم. المتوقَّع أن سلسلة القرّاء لن تتوقّف لدى الأجيال القادمة على الرغم من تدفُّق الجديد، لكنه لا يُغني عن القديم. أمّا ما الذي دفع مؤلّفه إلى كتابته، وهو شيخ عالم، وصف نفسه بأنه عالم الدهر وواحد العصر، كتبه حسب قوله؛ بإشارة من السلطان سليم الأول. أمّا الغاية، فلا يجب أن نستغرب، إذ لا مبرّر ما دام السلطان صاحب الأمر: فتح الشهية الجنسية والتحريض على الجِماع، فللسلاطين نزواتهم السلطانية.

ولقد أدّى الكاتب خدمة إلى من كُتب من أجله وإلى من جاء بعده، فالفائدة مرجوّة سواء تحقّقت أو لم تتحقّق، فالكتاب انتشر مراراً في طبعات رخيصة، ثم نُشر في طبعة جيّدة، تلتها طبعات. كان متداولاً وأصبح أكثر تداولاً، فالغرض منه ما زال وارداً، ويبدو أنه لن ينتهي، رغم أن هناك من يقرأه للتفكّه والمتعة. ولسنا ضد من يقرأه لأي غرض كان، مع أنّ العلم أدلى بدلوه في هذه المسائل، وأقصى ما بلغه نضاله في التحريض على الباه اختراع “الحبّة الزرقاء”.

المقدّمة السابقة في جزء منها، مدخل للقول: إن هذا الكتاب لا علاقة له بالأدب، حتى الإباحي منه، وعلى التأكيد لا يقرأه أحد لأسباب أدبية. ولكي نكون معاصرين على مستوى حداثة مبتكرة، بدأت تأخذ مجراها في أدقّ أمور حياتنا، نتابع التساؤل، بالتداعي لا للاستطراد: هل أفلام البورنو، أفلام فنية؟ ولئلا ندخل في مماحكة لا تجدي، بات الجميع يعرفون أن أفلام البورنو على علاقة بالتجارة أوّلاً وأخيراً، تمتهن الرجل وتحتقر المرأة، وتهين الجنس والجسد. وإذا كان لا بُدّ من الإلماح إلى أفضل حالاتها، أي عندما تكون طيبة النوايا، فهي أفلام تهييج جنسي. هذه المقاصد باتت واردة، التراث كان سبّاقاً إليها، والتراث الإنساني لا يخلو منها، والأصحُّ يعجّ بها، لو بحثنا عنها.

” تجارة تمتهن الرجل وتحتقر المرأة وتهين الجنس والجسد”

ولئلا يسوغ التراث ما لا يسوغ، ما سبق يمكن تصنيفه على أنه مواد ومنشورات جنسية، سواء اعتُبرت بذيئة أو غير بذيئة، تُنتَج خصّيصاً لاستنهاض الغرائز الجنسية. ليس لها علاقة بالأدب، ولو صدرت في شكل كتاب، فالكتب ليست مرصودة للأدب وحده، بل لأغراض شتّى، ثقافية وعلمية وترفيهية وأشياء لا حصر لها، منها الكتابات الجنسية، ولا اعتراض على طبعها ونشرها وترويجها ككتب إثارة من دون افتعال أية أقاويل حول حداثيتها وتحرّريتها وانطلاقها وكسرها للقيود واختراقها للعصور… وإنما منشورات لائقة أو غير لائقة، وهذا ما يحدّده المجتمع في زمن معيَّن ومناطق محدّدة من العالم، حسب موقعها الثقافي، لا الحضاري المختلف عليه. وذلك بالنظر إلى أنَّ الثقافة ليست شيئاً جامداً، بل هي قابلة للتغيّر البطيء، وأحياناً بسرعة الانقلابات، وربما التراجع عمّا اكتسبته.

هذه المواد بتنويعاتها المختلفة من عصر لآخر، لا تخلو منها حضارة سواء في مرحلة الازدهار أو الركود أو الانحطاط. أمّا أن يستغل الجنس بهذا الإفراط، فلا بُدّ من القول إن عوالم الجنس، لم تدخل في نسيج الأدب والفن، إلّا لأنه جزء لا يتجزّأ من الحياة الإنسانية. أمّا أن تكون هي الإبداع، فتعميمٌ وضيع يزوّر الأدب ويزيّف الفن.

وإذا كان قد انتشر في الأدب بشكله الفجّ، فلأنّه مطلوب في الغرب كتقليعة متجدّدة منذ ستينيات القرن الماضي، فالغرب لفظ التزمّت، ودرج في درب عزم ألّا رجوع عنه، وبدأت منطقتنا بالالتحاق به، لادعاءٍ يقول إننا لا نقلّ تحرّراً عنهم، وفي هذا نظر، لِمَ الحجر عليه؟ ما دام أنه لم يستنفد، ولن يستنفد لا في السر، ولا في العلن. فليأخذ حقّه في الوجود، فمنذ القديم كانت له دورات في الحضارات والثقافات كلّها، منها العربية، فلم يُضِرها. كان شيئاً من الأشياء، ومن التعنّت الظن بأن منعه حماية للأخلاق، وربما لو أدركنا ألّا علاقة للأخلاق بالجنس، بل بأسلوب استثماره، لئلا يُستغل فينحط شأنه، ويغدو وسيلة تُدرّ المال والشهرة.