في روايتها الأخيرة “كاليغولا في دمشق” تبني الروائية السورية “ابتسام تريسي” عالماً موازياً للعالم الحقيقي، يتميز بأنه شديد الواقعية، وكأنه ينقل من الواقع، مثلما يغرق في خيال يتميز بشدة التوتر، يجنح وكأنه إلى اللامعقول على طول الرواية، لماذا؟ تلك سمات أوضاعنا السورية. هذه الخلطة تمتحها تريسي من واقع نعيش تحت وطأته، لا يمكن معاينته ولا الاقتراب منه دونهما، وإلا كيف نفككه؟
يرتكز كاليغولا السوري إلى مناخ الاستبداد في العالم، الممتد من الماضي إلى الحاضر، الحاضر الأخير، بل ويومئ إلى لا انتهاء، وكأنlh العالم مجبول عليه. أما الماضي، فالعالم في بداياته الدموية، المغرق في القدم، وكبداية شكلية العصر الروماني، مع نيرون وكاليغولا، وربطها بالحالي، من دون تزيد، للتعبير عن تاريخ الطغيان ومسيرة الطغاة. لا تغيب في العالم الحالي عن دمشق، فالكشف عنه سيذهب بنا في رحلة نُعرّج بها إلى النرويج ولندن وسويسرا وباريس. ما يتيح لتريسي أن تستحضر في روايتها، ايما بوفاري، عطيل، ماري انطوانيت. جايوس، ايرما لادوس، آكاد السوري، وذات الرداء الأحمر، وتزج في هذه المعمعة بالنباش والمستشارة، وثمة رئيس وقائد وجنرال وسيدة أولى، وهلمّ جرا من الشخصيات المثيرة للرثاء والاحتقار، لزوم ما لا يلزم من أعوان وعملاء أتقنوا الخضوع والخنوع والزيف. هؤلاء كان أشباههم من أشباح الماضي، سيكرر مسيرتهم هؤلاء الذين سيصبحون أشباحاً في مستقبل لا محالة قادم.
لا تحفل تريسي بالاستعراضات الجماهيرية المفبركة للانتصارات المزعومة، إذ تغوص في العوالم الجوانية لعرين الطاغية، الجحر الذي تدور فيه حياته السرية وعقده النفسية ونزواته التافهة من خلال سلسلة من مشاهد متقطعة ودالة، مبعثرة ومتناثرة، تستعرض آلية الطغيان وتكشف عنها من خلال العائلة والبطانة الموالية، تشكل بمجموعها وتنوعها ما يمكن أن نطلق عليه: مجتمع الطاغية. تصنع حكاياته على غرار ألف ليلة وليلة، كل حكاية تأخذنا إلى حكاية، تعج بالمؤامرات والمكائد، من خلال عائلة وسائلها القتل والاغتيال، الاغتصاب والخيانة، ومجازر الكيماوي، تمارس بقسوة، وتدبر بحقد وغباء، لا يغيب عنها الجنون والوضاعة… إنه الشر بأجلى صوره، رغم رياء المظاهر والأبهة.
رواية ليست الجرأة امتيازها فقط، وانما إخلاص تريسي لسورية والسوريين في معاناتهم لاجئين ونازحين، معهم في محنتهم، واحدة منهم، وما يميز روايتها، أننا بينما نقرأها، أحداثها تجري بمرمى أبصارنا.
تعتبر الكاتبة السورية “ابتسام تريسي” واحدة من أهم الكاتبات السوريات، وطاقة أدبية استثنائية، فهي كاتبة قصة قصيرة ورواية ومقالات متنوعة، أثبتت حضورها طوال العقود الأخيرة في مواكبتها للواقع السوري الاجتماعي والسياسي بموهبة عالية، ولم تتخلف طوال المحنة السورية عن المشاركة فيها ليس بكتابة الرواية فقط، بل في حضورها الإنساني إلى جانب الثورة.
ومن الجدير بالذكر الإشارة إلى أن أعمالها الثمانية عشر تضم مجموعتين قصصيتين “جذور ميتة “200 و”نساء بلا هديل “2005 . أما الروايات، فست عشرة رواية تضم:
“جبل السماق – سوق الحدادين “2004 “ذاكرة الرماد “2006. “جبل السماق – الخروج إلى التيه “2007 “المعراج “2008 . “عين الشمس “2010 “غواية الماء “2011 . “امرأة في المحاق “2013 . “مدن اليمام “2014 “لمار “2015 . “لعنة الكادميوم “2016 . “الشارع 24 شمالا “2017 . “سلم إلى السماء “2019 . “القمصان البيضاء “2020 . “كتاب الظل “2020. “بنات لحلوحة “2021 “كاليغولا في دمشق “2022
-
المصدر :
- الناس نيوز