لا بد أنها فرصة سيئة للجميع لتعلّم بعض الدروس القاسية من الحرب في أوكرانيا المبشرة بأنها لن تقل وحشية عن الحرب السورية، فالوسائل جاهزة وآخذة بالدمار، والضحايا ليسوا بالانتظار، بدؤوا بالتساقط بين قتيل وجريح. الشعب دائما هو الذي يدفع الثمن، سترمى فوقه القنابل، وتهدم البيوت، وتتشكل منه أرتال المهاجرين، ولقد بدأت بالتدفق إلى بلدان الجوار.

العالم موعود بأزمة إنسانية، هذه سيتعاطف معها أكثر من الحرب السورية، بسبب موقعها الأوروبي، والعنف المتوقع فيها، وسائل الإعلام ترصدها لحظة بلحظة، إذا امتد بها الزمن، سيحل بأوكرانيا ما حل بسوريا، وفي حال جرى تجميدها بين الأخذ والرد، ستترسخ في انتظار الحل باشتباكات على الحدود، وحرب عصابات في المدن، أما الخراب فهو ذاته، فالركام يتشابه، والجثث أيضا، كذلك دموع الأمهات.

لن ندعي أن مأساتنا أقسى، ولو كانت، المآسي تتساوى، فالقتل هو القتل، والموت هو الموت، والدماء هي الدماء، وتهجير الناس من بيوتهم تحت القصف، الأسلوب ذاته. لا نتمنى أن تطول الحرب في أوكرانيا عشر سنوات، لن تخلو عندئذ من القتل الجماعي والموت تحت التعذيب، والإعدامات الميدانية، والحصار والتجويع والتركيع.. هذه مفردات الحروب في القرن الواحد والعشرين، المثال السوري الرائد، قدم لائحة متكاملة وافية عنها، وأكثر من كافية على التنكيل بالبشر.. كم مرّ على السوريين من عذابات، ما زالت مستمرة. سيحتفظ التاريخ بسابقة، أن رئيسا استدعى جيوش دولتين مع مجموعة مختارة من الميليشيات المذهبية من عدة دول لتؤازره في قتل شعبه.

مأساة أوكرانيا إذا امتد بها الزمن، المتوقع أن تتفوق على السورية، فالروسي بوتين لن يقبل بأقل من إبادة قرى ومدن. وأوكرانيا في منظوره جزء من الاتحاد السوفييتي، لن يتسامح مع عصيان بلد يجمعه مع بلده التاريخ والجغرافيا. هل هذه لعنة التاريخ أو الجغرافيا؟ إنها لعنة الاستقلال والحرية.

الأمر الجيد، وقوف الغرب صفا واحدا إلى جانب أوكرانيا، والتباري إلى مساعدتها، حتى الآن لم يوفروا وسيلة في دعمها؛ إرسال أسلحة حديثة ومتطورة، كانت ممنوعة على السوريين، فتح ممرات آمنة لخروج المهجرين، كانت ممنوعة على السوريين، تشكيل فيلق دولي من المتطوعين للقتال في صفوف الأوكرانيين، هذا لم يمنع على السوريين، لكن لم يكن فيلقا دوليا، بل فيلقا إرهابيا، مع أنه كان دوليا، فالغرب أراد التخلص من مواطنيه الإرهابيين، فغض النظر عن رحيلهم مع أنه الأعلم بهم.

هذه الحرب إن استمرت ستنتقل إلى أوروبا التي حاذرت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية من تعريض شعوبها للحروب، وتوافقت مع الروس على أن تكون أوروبا قارة آمنة، وتصدير نزاعاتهم إلى بلدان العالم الثالث، فالحروب هناك، مادام الهدف الاستيلاء على ثرواتها، وإذا كان ثمة حرب في أوروبا، فباردة

لم يبخل الغرب بزخم إعلامي ضد روسيا، وإلغاء التعاملات المصرفية، بهدف تركيع الروبل، وإيقاع عقوبات اقتصادية شاملة، مع مقاطعة رياضية وفنية وثقافية. هذا مع تدفق المساعدات الغذائية والإغاثية. وإذا كانت الحدود قد فتحت أمام المهاجرين الجدد، فلا شك بأنها لفتة إنسانية عظيمة تؤكد على عمق الوشائج الأوروبية مع شعب اضطر إلى مغادرة وطنه، واستقبالهم من دون إشعارهم بالدونية، ليس كما حدث مع السوريين لدى الدول الأوروبية نفسها، فقد طردوهم وطاردوهم بالهراوات والعصي والرصاص. لم نذكر هذه الأحداث إلا لأن الشيء بالشيء يذكر ولو كان بضده، ما يعيد النظر بأن الإنسان ليس نفسه في دول العالم، مع أنه الإنسان ذاته، لكن بعض السياسيين والإعلاميين الذين يمكن وصفهم بالغباء أكثر من العنصرية المنتشرة كالنار في الهشيم، حسب تعبير أدبي، وجدوا أن الفوارق لا يستهان بها من حيث زرقة العيون والشعر الأشقر، ودرجة التحضر والمؤهلات العالية، مع أن المهاجرين السوريين أثبتوا أن ملامحهم متنوعة، منهم الأشقر والأسمر، وذوي عيون ملونة، وغير ملونة، والجمال الباهت ليس بسبب الحجاب، بل من رحلة الموت والعذاب. أما تحضرهم فلا يخفى، لكن حسب الإتيكيت الشرقي. لكن لو استعادوا مؤهلاتهم فمستشفيات أميركا وأوروبا تعج بالأطباء السوريين، عدا أنهم في جميع المجالات أثبتوا تفوقا إلى حد النبوغ وبزمن قياسي. لا يعني هذا أنهم شعب خال من الزعران والمجرمين والشبيحة بأنواعهم، فهم كأي شعب آخر، مثل الفرنسيين والبريطانيين والأميركان تماما من هذه الناحية، وإلا من أين تأتي السينما الغربية بموضوعات أفلامها الإجرامية إلا من شعوبها؟

الأمر الذي لا يحتاج إلى برهان، أننا نحن السوريين أكثر شعب سيتحسس آلام الأوكرانيين، وندرك عمق مأساتهم، فما سيصيبهم أصابنا، قتلانا تجاوزوا المليون، ماذا عن المعتقلين منذ عشر سنوات؟ أوروبا نفسها تشهد على غرقانا في البحار، وعلى أمواتنا من البرد على حدودهم. نعرف ماذا سيحصل لو طالت حربهم، ما دام الجيش الذي غزا بلدهم، هو نفسه الذي غزا بلدنا، حرق الأخضر واليابس ودمر نصف حلب، وما زال الضحايا السوريون والبيوت والأسواق المهدمة من قصف الطائرات الروسية دليلا على ما حل بنا، لا سيما وأنه جرب أسلحته الحديثة على أهالينا. بينما الغرب لم يسمح لنا بمضاد للطائرات لحمايتهم. وترك المدنيين طعما للروس وميليشيات الملالي، والجيش الذي بلا عقيدة.

ثمة أمر يجب الإشادة به، بخصوص إنسانية الغرب، ومسارعته إلى إرسال السلاح إلى أوكرانيا، ليس بلا سبب، هذه الحرب إن استمرت ستنتقل إلى أوروبا التي حاذرت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية من تعريض شعوبها للحروب، وتوافقت مع الروس على أن تكون أوروبا قارة آمنة، وتصدير نزاعاتهم إلى بلدان العالم الثالث، فالحروب هناك، مادام الهدف الاستيلاء على ثرواتها، وإذا كان ثمة حرب في أوروبا، فباردة، بينما الساخنة في مستعمراتهم القديمة. أما وقد انفجرت الحرب في القارة الآمنة، فالجهود انصرفت إلى تطويقها. بالتالي على أوكرانيا الدفاع عن أوروبا كلها وأميركا البعيدة، التي لا تأمن وصول الحرب إليها.

وهكذا سيحمل الشعب الأوكراني على عاتقه عبء الدفاع عن الغرب. هذه الحرب ليست شرا كلها، ما دام الغرب وقف معها، كما أن الخير الذي هبط على أوكرانيا، ليس خيرا كله، سيدفع ثمنه شعبها، ضحايا وخرابا.

ليت المأساة الأوكرانية، تُعلم الغرب أن مأساة السوريين ليست أقل، والضحايا ليسوا مراتب ولا تصنيفات. أميركا خدعت السوريين، ولم يكن لها الحق في منح إذن لبوتين بدخول سوريا. آن الوقت لتصحيح العلاقة معنا.. لا ينبغي أن تترك سوريا لسياسات بوتين الطموح.

سوريا ليست قصة لجوء ولاجئين كما يرغب الغرب بالنظر إليها، إنها قصة دكتاتورية وشعب يريد الحرية والديمقراطية.