لم ينتقل الروائي السوري، فوّاز حداد (مواليد دمشق، 1947) من القصّة القصيرة إلى الرواية على خلاف كثيرٍ من الروائيّين العرب الذين جمعوا بين المجالَين؛ فقبل أن يُصدِر مجموعةً قصصية بعنوان “الرسالة الأخيرة” (1994)، أصدر روايَتين؛ هما: “موزاييك دمشق 39″، (1991) و”تياترو 1949” (1994).
ومع ذلك، يعترف صاحب “المترجم الخائن” (2008) بأن تجربته مع القصّة كانت تمريناً على الكتابة، مفسّراً ذلك في أحد حواراته الصحافية بالقول إن القصّة القصيرة كانت تضيق عليه، فيجد نفسه غير قادرٍ على ضبط كتابته مكانياً وزمانياً وحصرها في مساحةٍ ضيّقة، فتتّسع لتأخذ شكلاً روائياً. وهكذا، صارت الرواية خياره الذي سيستقرّ عليه، ليكون مجمل إصداراته فيها ثلاثة عشر عملاً، في مقابل مجموعة قصصية واحدة.
وخلال قرابة ثلاثين سنةً، اعتباراً من سنة صدور أوّل أعماله، اتّخذ صاحب “مرسال الغرام” (2004) من تاريخ المنطقة العربية السياسي خلفيةً تحضر بأشكال مختلفةٍ في رواياته، كمؤثّر أكبر في الحياة. ومع الأزمة التي تعيشها بلاده منذ ثماني سنوات، بات الواقع السوري، بتعقيداته السياسية والاجتماعية والأمنية، يُلقي بظلاله، بشكل أكبر، على كتابته، مُشكّلاً خيطاً يجمع بين أعماله التي راح يقترب فيها من موضوعات يعتبرها مسكوتاً عنها روائياً.
تجسّد ذلك منذ روايته “جنود الله” (2010) التي صدرت قبل بدء الأحداث في سورية، ليوسّع على إثرها الدائرة التي يتحرّك فيها إلى العراق في “خطوط النار” (2011)، بينما سيواكب في “السوريّون الأعداء” (2014) الثورة السورية بتغطية أربعة عقود من عمر النظام فيها، إلى العام الأوّل من انطلاقة الاحتجاجات.
حقّقت تلك الأعمال، إضافة إلى “موزاييك” و”المترجم الخائن”، انتشاراً واسعاً، بينما أثارت “السوريّون الأعداء” و”الشاعر وجامع الهوامش” جدلاً وانتقادات عكست انقسام الشارع السوري إزاء “الربيع العربي”، فبينما وجدت الأكثرية فيها تعبيراً جريئاً مثّل صدىً لما عانوه طوال عقود من القمع والفساد، وجد فيها آخرون تحريضاً ضد شعارات المقاومة والممانعة، وهو ما رأى فيه حداد “انحيازاً للنظام متستّراً بالأدب”.
كذلك، اتُّهم بالتسرُّع في تناول حدثٍ لم ينته بعد. عن ذلك، يقول حداد في حديث إلى “العربي الجديد” إنه “لا خيار في مقاربة أهمّ حدث سوري وعربي، باتت تفاصيله معروفة، نعايشها يومياً، ولا مبرّر للتردّد في الكتابة عنه، وذلك بموجب قناعة ما أدعو إليه دائماً، وهو أن الروائيّين العرب مدعوّون لكتابة رواياتنا الكبرى، وبالتالي، ضرورة عدم إغفال هذا الحدث الهائل عن الرواية”.
صدرت أعمال حداد عن دور نشر عربية مختلفة. ومع نشر روايتيه “صورة الروائي” و”الولد الجاهل” مؤخّراً، يكتمل صدور أعماله الروائية في طبعات جديدةٍ عن “دار رياض الريس” في لبنان، والتي نشرت معظم أعماله. وتحضر هذه الأعمال مجتمعةً في “معرض بيروت العربي الدولي للكتاب” الذي انطلقت فعاليات دورته الثانية والستّين في السادس من كانون الأول/ ديسمبر الجاري، وتُختتم اليوم.
يقول صاحب “عزف منفرد على البيانو” (2009): “الآن أصبحَت أعمالي الروائية الثلاثة عشر متوفّرة في جناح دار “رياض الريس”، وهو ما سعيتُ إليه، أن تصدر كتبي عن دار واحدة. وأعتقد أن روايتي الرابعة عشرة ستصدر في 2019”.
عن روايته المقبلة، يضيف في حديثه إلى “العربي الجديد”: “هي رحلة في أعماق الدولة الشمولية الرثّة، التي لا يغيب عنها الدكتاتور والضابط والمخبر والمحقّق والجلّاد، والفساد المستشري. وبذلك تنتهي المرحلة الثالثة من تجربتي الروائية، أضع فيها نقطة الختام على رؤيتي للواقع السوري اجتماعياً وثقافياً وإنسانياً وسياسياً، في لحظة مفصلية دامت ثماني سنوات، لأبدأ مرحلة جديدة مفتوحة على عالم يفتقر إلى الحياة، ويعاني منها”.
-
المصدر :
- القدس العربي