مع قرب انتهاء العام الرابع من المأساة السورية، تبدأ دورة جديدة من الحلول. بمناسبة قدوم عام جديد، فقد سارع الروس إلى دعوة النظام والمعارضة إلى الاجتماع في نهاية الشهر الأول من العام الجديد. طبعاً سبقت الدعوة تحضيرات ومشاورات ما زالت مستمرة، بمشاركة مصرية، وتأييد من المبعوث الدولي دي ميستورا، ترافقت مع ابتعاد الأوربيين والأمريكان عن ساحة الدبلوماسية النشطة. تعتمد المبادرة الروسية في أحد مراحلها على ما طرحه ويعمل عليه دي ميستورا حول تجميد الصراع، ما يتيح للمبادرة الروسية التقدم نحو هدفها، بإيجاد أسس لها على الأرض.
إلى أي حد من الممكن أن تبث هذه التحركات بين موسكو ودمشق والقاهرة التفاؤل بحل الأزمة السورية؟ الأطراف الرئيسة، النظام والمعارضة على طرفي نقيض، لا يبشران بتفاهم سريع محتمل، على الرغم من أن المعارضة لا ما نع لديها من بعض التنازلات التي لو قدمتها من قبل لاتهمت بالخيانة، الظروف الحالية والضغوط الدولية، وظهور “داعش”، يجبرها على ما كان محظراً عليها حتى الهمس به، بينما النظام على حاله يرفض التراجع عما بات من المسلمات لديه، واي شيء يطلب منه يعتبره خطاً أحمر، وحتى لو أراد، إيران لن توافق، حزب الله موجود في ساحات القتال السورية ومعه الميليشيات العراقية المذهبية، حراس الخطوط الحمر. غير أن الروس مثلما سيراعون مصالحهم بالدرجة الأولى، فمراعاتهم للمصالح الإيرانية لن تقل عنها، أي أن الإيرانيين في صلب المبادرة. لذلك أي تنازلات إضافية لن تكون إلا من جانب المعارضة على حساب السوريين. وبذلك لن تستطيع المعارضة اقناع الفصائل المقاتلة الإسلامية ولا المعتدلة بحل لإيقاف القتال لا يرضي سوى النظام والإيرانيين والروس.
السؤال، ما دور دي ميستورا في حل غير متوازن، لا يشجع المعارضة على القبول به، إلا بسبب أوضاعها المتدهورة، ولا جدوى من تمريره للجماعات المقاتلة؟ مهما حاول دي ميستورتقريب وجهات النظر، فلا فائدة، مادام أنه اصلاً أخذ على عاتقه قضية محروقة، إن لم تدعمه أمريكا وأوربا، فلن يستطيع إحراز تقدم في مهمته، كما أن المجتمع الدولي ليس بوسعه فعل شيء، فهو مكتوف اليدين منذ بداية الأزمة وحتى الآن. وإذا بدا أن الامريكان والأوربيون ابتعدوا عما يجري، لكنهم يراقبون عن كثب. النتيجة؛ المزيد من الوقت الضائع لمبادرات تثبت أن الروس غير قادرين على الحل وحدهم، حتى لو حاولوا اجراء اختراق بتليين عناد النظام السوري، وتجميل تنازلاته بتضخيمها ولو شكلياً، النظام حذر تجاه أي مبادرة، أساليبه لا يتخلى عنها، اشتراطات تفقد أي مبادرة مضمونها وهدفها، والتباهى بإغراقها في تفاصيل تافهة، ثم لماذا التنازلات بعدما خاض حرباً طوال أربع سنوات، ونجح بخبرات إيرانية وروسية في تحويل المظاهرات السلمية إلى مسلحة، ومن ثم إلى حرب شعواء بالأسلحة الثقيلة، واتاح الفرص للإسلاميين بمعاودة نشاطهم، وتوطين القاعدة تحت مسمى جبهة النصرة، وظهور “داعش” الأشد خطرا ووحشية. ونجاحه اعلامياً في تصوير الحرب على أنها ضد الإرهاب. بالنسبة للنظام هذا ليس وقت الاستسلام ولا القبول بحلول وسط، هذا وقت الانتصار.
ما زالت سورية ترسف في الوقت الضائع، الطريق المسدود ما زال مسدوداً، حتى الروس أنفسهم الذي أنقذوا النظام مراراً مضطرون إلى مواصلة دعمه، مبادرتهم لا أكثر من أنهم لا يريدون إعلان افلاسهم، ثمة فائدة منها؛ إحراج المعارضة بحلول لا تأثير لها في الداخل السوري، المعارضة أول من سيدرك تهافتها.
الطريق إلى الحل ما زال طويلاً وشاقاً، إذا كان العالم قد نجح بتيئيس المعارضة، فالمطلوب الآن تيئيس النظام وإيران وروسيا من حرب لم تعد عائداتها توازي خسائرها، وهذا حالياً كما يبدو يحتاج الى زمن لم يئن بعد. لابد من التفكير بشيء آخر، ربما فيه انقاذ من بات ينبغي إنقاذه فعلاً، وهو الشعب السوري وإخراجه من هذه الكارثة، قبل أن يتشتت شمله أمواتاً تحت الأرض، ونازحين فوق الأرض. هذا بعدما جرى تفتيته حتى أصبح عاجزاً عن التصالح مع نفسه تحت راية البوط العسكري والشرائع القاتلة.
الحل قد يكون متوافراً، لكن تنقصه الإرادة، والأهم أن لا أحد يعرفه.
-
المصدر :
- المدن