صدر عن دار المحط للنشر في الفجيرة كتاب “لقد مررت من هذا العصر” للروائي السوري فواز حداد.
يأتي الكتاب ضمن مشروع “أنا الرواية” عن التجارب الروائية للروائيين العرب.
مقتطف من الكتاب عن سؤال الكتابة:
“… ما أنا متأكد منه، لا يستطيع الروائي الغوص في مستنقع، ويخرج نظيفاً، وإلا كيف يكتب عن عالم ملوث؟ يريد الكاتب أن يمسك بحقيقة ما، ويكتب بعدها مطمئناً، لكن أين الحقيقة، أو ما الحقيقة؟
الحقيقة غالباً معروفة ومبذولة، لكننا نخاف منها، فنكتب ما نتصوره عنها، لكن سرعان ما سيأتي الوقت الذي نحس فيه، هرباً منها، أننا نجهلها. إذا ضربنا صفحاً عنها، فلا يعني أننا نجونا منها، ستعذبنا طالما كنا نكتب، وإذا تنصلنا منها، لمجرد أنها مكلفة، أو تحايلنا عليها، فتلك هي الخيانة، خيانة الحقيقة.
يشق الروائي طريقه في العالم وحيداً، لكن ليس أعزل. يضع نصب عينيه، ما يعتقد أنه حق، ليحميه من الزلل. إذا كان ثمة بوصلة، فستشد من أزره، وتساعده على تلمس الطريق، فلا يضيع.
البوصلة لغز، لن يستحيل معرفته، يخلق معنا، ونكبر معه، إنه حب المعرفة، الذي يسهم في تكويننا؛ الدين، الثقافة، الاخلاق، الفلسفة، التاريخ، العلم… مهما تنوعت، فاللغز باق يطلب المزيد من المعرفة، لكن مع الاسترشاد بالضمير، وإن لم يكن متماثلاً بين البشر، وليس له الفعل ذاته، ما دام من المكن التغاضي عنه أو تجاوزه، فهو ليس ملزماً، وإنما اختيارياً، لكنه يفوق الالزام.
إدراك أن الثقافة، لمجرد الثقافة، لا يكفي، فالكاتب إما أن يكرسها للذود عن الحقيقة، أو يستخدمها ذريعة لنفيها. بالنسبة للروائي تشكل عاملاً مهماً، فهي ليست بياناً حزبياً ولا تعليمات أخلاقية، أو مبادئ سياسية، إنها الانحياز عن قناعة إلى ما يؤمن به. هل الروائي، بحاجة إليها؟ نعم، إنه الأكثر تعرضاً لرياح العصر وعواصفه.
بالعودة لتساؤلاتي حول لماذا الكتابة، أو لماذا أكتب؟ لن أغامر بجواب نهائي، لست واثقاً منه، ولو أنني لمّحتُ إلى أكثر من جواب، لكن لا يكفي، فأقول لقد وجدتني أكتب، أي مدفوعاً للكتابة، والرواية مهما كانت فهي امتحان عسير عن سؤال غامض.
وربما كان السؤال الأجدى هو لماذا أصبحت روائيًا، أو لماذا اخترت أن أكون روائيًا؟ قد يكون في الجواب تعليل لذاك السؤال الغامض”.
-
المصدر :
- الرواية نت