يعود هاملت إلى مملكة الدنمارك، بعد موت أبيه، يشمّ رائحةً تثير الاشمئزاز… ما يعني أنّ هناك شيئاً فاسداً. يقول: هناك شيء متعفّن. مصدر العفن، قتل عمّه لأبيه الملك، وزواجه من أمّه الملكة، وتتويج العم ملكاً بعد تواطئه مع الأمّ الملكة على قتل أبيه.
يشير العفن إلى الفساد، ويحيل إلى الجشع والطمع والغرور والحسد، أي إلى الشرور البشرية وملحقاتها من الانتهازية والوصولية. وما قد تقود إليه: القتل مثلاً.
اعتاد ساسة الغرب في معرض انتقاد بلداننا على الإشارة إلى “عفنٍ في الشرق” تزكم رائحته الأنوف. ما يُوحي بعدم وجود عفن متأصّل في الغرب الديمقراطي. وفي حال وُجد فيكون عارضاً، رائحته ليست فوّاحة تزكم الأنوف، وفضائحه لا تزيد عن التحرُّش الجنسي، لا سيما في الفترة الأخيرة، وما كانت بهذا الحجم الكبير إلّا لأنها تراكمت طوال عقود. وهي رائحة مقبولة بالمقارنة بالشرق الذي يعجّ بفضائح من فرطها، لا يسترعي العفن الجنسي الاهتمام، بالنظر إلى رائحة الثروات الهائلة من مليارات الدولارات التي يمتلكها الدكتاتوريون العرب في بنوك الغرب.
” ليست للغرب مناعة ضد العفن الشرقي ما دام والغاً فيه”
فالذين جاؤوا على صهوات الدبابات استولوا على الأرض والشعب معاً واصطنعوا أجهزة أمنية، عملها تسهيل نهب المال العام لقاء تقاضي حصّة منه، وهي مهمّة ليست سهلة، إزاء شعب يرزح في شظف العيش، وربما في المجاعة. بالمقارنة، لدى الغرب قوانينه ومرجعياته وثقافته السياسية والاجتماعية، وأسلوب حياة ديمقراطي أفضل بكثير من أي أسلوب حياة آخر في تاريخ البشرية حتى الآن، ويُفترض بالتالي أن يكون متفوّقاً أخلاقياً. ولقد قيل، إنَّ كل إجراء غربي، مهما كان لا أخلاقياً، يبدو لنا كذلك، بينما هو ضروري وعادل.
لا يستطيع الغرب أن يزعم الجهل، لديه سفاراته وعملاؤه، ويعرف أن هؤلاء الطغاة جاؤوا إلى السلطة من بيئات فقيرة أو معدمة، ولم تؤهّلهم إنجازاتهم المجيدة جني هذا المال بعرق جبينهم، وإنما اختُلست من كدّ شعوبهم. بينما كل ما يفعله سياسيو حكوماتهم التزلُّف إليهم، وإن كانوا عند كتابة مذكّراتهم يقفون موقفاً حازماً منهم، ويرمونهم بأقذع النعوت.
القانون الأخلاقي واحدٌ مهما اختلفت معاييره بين دولة وأخرى ومجتمع وآخر، فالتحريم ذو جذر واحد. وإذا أردنا إقناع أنفسنا بشيء، فهو أنّ على الحكومات إصلاح نفسها للتخلُّص من عيوبها، وأحدها، وهو الأكثر أهمية، عندما تكون دولة قادرة على مساعدة شعب آخر، فلا ترسل جيوشاً للقتل، ولا طائرات للقصف، ولا تجرّب فاعلية أسلحتها على المدنيين والعمران.
وإذا أرادت الاتصاف بالتفوق الأخلاقي فعلاً، فلا تتعامل مع الأوغاد من لصوص ينهبون بلدانهم، ولا تراعي دكتاتوريات عادلة ولا منحطة، أو تسعى إلى استبدال دكتاتور بدكتاتور، بحجة أن دكتاتوراً علمانياً أفضل من رئيس، إسلامياً كان أو شيوعياً أو بلا دين.
أميركا التي تباهت بأوباما، الرئيس الأسود، طلبت من الروسي بوتين الأبيض، إنقاذ الأسد الذي بلا لون، بينما كان يرغي ويزبد معلناً عدم شرعية النظام وانتهاء صلاحيته؛ فالمسألة ليست بلون البشرة، ولا في أن الأول ديمقراطي والثاني استبدادي، وإنما في السؤال الأخلاقي.
لا يتميّز الغرب عن الشرق ببُعد النظر، فهو ينظر إلى مصالحه. والمحيّر، لماذا أثار مسألة التحرُّش الجنسي، وهو في حقيقته الاغتصاب الجنسي، الذي أخذ مجراه في جهات تُلحّ على موضوعات التفوُّق الأخلاقي، سواء في محراب الفن، أو عرين صناعة السياسة، ولا ننسى جنود حفظ السلام، رُسُلَ الأمم المتّحدة المتورّطين في جرائم جنسية منها التحرش بالأطفال، أي اغتصابهم بصريح العبارة.
لن نبالغ على الإطلاق وندّعي أن عفن الغرب لا يقل عن عفن الشرق، ولا أن أحدهما يتعيّش على الآخر، فلكل منهما خصوصيته، وإنما في أن الغرب ليست لديه المناعة الكافية لمقاومة العفن الشرقي، ما دام والغاً فيه.
اقــرأ أيضاً
-
المصدر :
- العربي الجديد