تصاعدت حظوظ الترجمة إلى العربية في السنوات الأخيرة، آلاف الكتب المترجمة صدرت وشملت أنواع المعرفة الإنسانية في العلم والفلسفة والاجتماع والتاريخ والرواية والشعر والمسرح… تعود بالفائدة على الباحثين ومحبّي المعرفة.
المؤسف أن الدعم الحكومي لحركة النشر لم ينعكس على سعر الكتاب الذي ما يزال يعاني من الغلاء، والتواصل معه بات غالباً في المعارض لتوافر حسومات جيدة، وعوّض الإنترنت القراء ذوي الدخول المتواضعة بتنزيل الكتب من المواقع بلا مقابل، مع عدم التمتع بقراءة مريحة.
أكثر ما صادف الحظ هو ترجمة الروايات، فقد شهدت حركة واسعة في مجاراة حركة الرواية العالمية الصادرة حديثاً، تبدّت في انصراف دور النشر إلى ترجمة الأعمال الأكثر مبيعاً في أسواق الكتاب الأميركية والأوروبية، والدعاية لها بترجمة التعليقات المرافقة للنسخة الأصلية، وكانت تقريظاً صارخاً للرواية رغم إيجازها.
إضافة إلى ذلك، تأخذ الدعاية في الغرب أبعاداً أوسع؛ إشادة في الملاحق الثقافية والمواقع الإلكترونية، استكتاب كبار النقاد وصغارهم، إقامة ندوات، واللجوء إلى إعداد قوائم أهم الروايات، أو أعظم الروايات، وغير ذلك، بحيث إن القوائم تعدّدت وتنوّعت إلى حد أصبح لكل جريدة أو مجلة أو موقع إلكتروني قوائمه الخاصة، والمتغيرة من وقت إلى آخر. ولا يخفى أنها على علاقة بدور النشر والروايات الكاسدة. من خلال هذا المهرجان يمر بأمان ترشيح الكَاتب والكِتاب للجوائز المحلية والعالمية.
” يُنظر في الغرب إلى الكتاب كسلعة يُعمل على ترويجها”
يُنظر في الغرب إلى الكتاب كسلعة يُعمل على ترويجها بشتى الوسائل، وتستغل حتى إشارة سياسي مشهور إلى ما يقرأه، كما حدث مع باولو كويلو عندما قال الرئيس السابق بيل كلينتون إنه يقرأ روايته “الخيميائي”، ما رفع مبيعاتها إلى أرقام خيالية.
الدعاية للكتاب جهد لا يخلو من صحة ومن تدليس أيضاً، لذا ينبغي الميل إليها بحذر وتقييمها بأناة، فهي تحفز على القراءة في عالمنا العربي، وإن كانت القراءة للقراءة، مثلما شجعت جوائز الرواية على الكتابة للكتابة، ما أدّى الى تضخم الكم على حساب النوع. أما تمييز الجيد من العادي أو الرديء، فمستحيل.
تحاول الدعاية انتزاع أكبر عدد من القراء إلى ما يسوقونه بصرف النظر عنه، وهي من السلبيات التي لا تغتفر للدعاية العمياء، إذ لا مقاييس للجودة المطلوبة في المنتجات الصناعية. أليس الكتاب صناعة؟ يقال لا يصح إلا الصحيح. ولا محالة قادم، ولو بعد عشرات السنين، ما الضمانة؟ ربما لا يأتي. كل عصر يهتم بعصره، ومنقبو الأدب في تناقص، فالسيل الهادر من المطابع لا يسمح بالتنقيب إلا في ما يتدفق يومياً.
يعتقد الذين يُدخلون هذه التقاليد أنهم يجارون الآخر في إنجازاته، لكنها ليست إنجازات بقدر ما هي تجارة معسولة تبيع الكذب مثلما تبيع الحقيقة، والذين يعملون فيها لا يهتمون إلا بنجاح حملتهم، وما درّته من مال ومبيعات… إنها صناعة العمى.
-
المصدر :
- العربي الجديد