يمكن إدراك ما بَلغته مفاعيل انتشار “فوبيا الإسلام” بالرجوع إلى تشرين الثاني/ نوفمبر 2006؛ ففي برنامج بمحطّة راديو أميركي يُغطّي إرساله واشنطن العاصمة وشمال فرجينيا ومريلاند، أُجريت تجربة حول قياس ردّ فعل الجمهور تجاه قرار استبعاد ستّة أئمّة مِن رحلة جوية في الولايات المتحدة الأميركية. فكانت الاقتراحات بأنه ينبغي استخدام القوّة لضمان أنَّ جميع المسلمين في أميركا يجب أن يحملوا علامة مميّزة: عصابة تُربط على اليد، أو وشم على شكل هلال. أمّا الأسلوب: “… نجمعهم في مكان ونرسم لهم الوشم على جباههم مثلاً، وما علينا فعله هو وضعهم في معسكرات مؤقّتة”. لم يكن الاقتراح غريباً ولا جديداً، ففي أثناء الحرب العالمية الثانية احتجزت السلطات الأميركية اليابانيين والألمان الموجودين في أميركا داخل معتقلات، وعوملوا كأسرى حرب، أو مجرمين خطرين. كان الاقتراح الذي لاقي تأييداً أكثر هو “ترحيلهم من بلادنا… إنهم هنا ليقتلونا”.
من المنطقي تفهُّم مشاعر الغضب المنتشرة بين الأميركيّين في ذلك الوقت، لم يكن قد مضى على عملية نيويورك المشؤومة سوى خمس سنوات، بلغ فيها التحريض ضد العرب والمسلمين أقصاه، مع أن مسلمي أميركا ومعهم مسلمو العالم، أعلنوا مراراً عن شجبهم لهذه العملية، وأكّدوا عدم صلة الإسلام بها. ومع هذا، عندما قامت مؤسّسة “غالوب” بإجراء استطلاع رأي، أيّد 39 بالمئة إلزام المسلمين، حتى المواطنين منهم، بارتداء علامة تعريف مميّزة تبيّن هويتهم الإسلامية.
حادثة نيويورك في 11 أيلول/ سبتمبر 2001، التي قامت بها منظّمة “القاعدة”، لم تخف أسبابها، كانت ردّاً إرهابياً انتحارياً على الوجود الأميركي في السعودية، وكان معناها السياسي: اخرجوا من بلادنا. أعقبها إعلان أميركا الانتقام من “القاعدة” فغزت أفغانستان، ما أدّى إلى حرب ما زال الشعب الأفغاني يرزح تحتها، ويعاني من ذيولها المأساوية. كما طاردت “القاعدة” في أي مكان وُجدت فيه حتى نجحت باغتيال بن لادن قبل سنوات، وما زالت في إثر أعضائها حتى الآن، وكان من نتائجها غزو العراق أيضاً وتدميره.
مدخل لحروب حقيقية، ضحاياها الإسلام وحرية الرأي
إن جوهر الصراع في جميع الحالات لا علاقة مباشرة له بالدين الإسلامي، وهو كأيّ دين آخر يمكن توظيفه في النضال ضد أوضاع يراها المحتجّون مجحفة بحقوقهم السياسية أو المعيشية، لذلك كانت الثورات ضد الدكتاتوريات مؤخّراً، لا تخفي شعاراتها الإسلامية، مع طاقة من العنف لا يخلو منها دين مهما كان مسالماً، يعترف به اليهود والمسيحيون كممثّلي أديان سماوية ترفض الظلم، ولا يقف المؤمنون بها مكتوفي الأيدي. أمّا كيف تُستعمل فهو شأن من يستخدمها. قد تكون على حق، وقد تخطئ، وتكون على باطل.
لم يكن اللجوء إلى الأديان والاستعانة بها، إلّا لاختفاء الأيديولوجيات المناضلة التي كانت وراء حروب تحرير شعبية ساندها الروس، لم تشتبه بالدين، فاتهمها الأميركان بأنها عميلة للشيوعيّين، ساعد على هذا التصنيف، وجود كتلتين متناحرتين في العالم، تتبادلان الاتهامات، فلم تحتاجا لإدراج الدين في معمعة الأيديولوجية.
الأمر غير المنطقي، هو عدم تفهُّم العالم أنّ هذه الحروب والتخبّط الجهادي والإرهاب الإجرامي، هي في جوهرها صراعات سياسية، وليس دينية، صراعات استُغلّت لتعميم مفاهيم خاطئة، زجّت الإسلام عن عمد في الإرهاب، تسعى إلى إدانة المسلمين، والدعوة إلى تجريدهم من دينهم، ليصبحوا من الشعوب المسالمة عن طريق تغيير الدين نفسه، أو تبنّي دين منقّح يَعتبر الظلم والدكتاتورية من طبيعة الحياة الهانئة.
ما نشهده من صراع، يكاد أن يذهب بالعالم كلّه في حرب أهلية داخل الدول، وحرب بين الدول، وهو أمر ليس مستبعداً، بينما أسبابها في مكان آخر، تصنعها سياسات الدول، وطموحات الهيمنة، تنحدر إلى اعتبارات انتخابية ضيقة، لا توفّر ضحايا ومجانين. هناك من أتقن صناعة الحروب، طالما عناصر دواعي التدخُّل والنزاع متوافرة؛ الإسلام المتّهَم الأول، ودول أصبح لها ضحايا، يعلوها شعار “الحرب ضد الإرهاب” التفّ حوله العالم كلّه.
هذا ما سيحصده العالم؛ صراعات زائفة، ليست إلّا مدخلاً لحروب حقيقية، ضحاياها الإسلام وحرية الرأي ومقتل مئات الآلاف، وربما ملايين، وتدمير مدن، وربما دول.
-
المصدر :
- العربي الجديد