بعد أربع سنوات باتت سورية تشكل مثالا صاعقا على عجز قوى الداخل والخارج، ومعها القوى الكبرى والمجتمع الدولي على اجتراح حل سياسي أو عسكري للأزمة السورية. لا مبرر للاستغراب، هذه القوى نفسها تسهم بتلكؤها المقصود وقصر نظرها بدفعها نحو الفوضى الشاملة، لا بدائل لوقف إطلاق النار ونقل السلطة إلى حكومة انتقالية، غير أن هذا الحل تقف أمامه عقبات، أهمها أن الذين توافقوا عليه، تعمدوا تفسيره بحيث أفقدوه الغاية منه. ونسفوا معه أي حل آخر. أما الدول التي باتت بحكم مواقفها داعمة للحرب، فما زالت لها الكلمة العليا في الأوضاع النهائية لمستقبل سورية، ما يعقدها أن الآراء حوله غير نهائية تتراوح حالياً على سبيل المثال حول حماية مناطق النظام تمهيداً للهجوم المعاكس، أو المراوغة واللعب على الزمن، أو الاعداد للتقسيم. الضحية طبعاً هو الشعب السوري، ما جعل العمليات الاغاثية تضع في حسبانها تخفيف قيود الهجرة وعدم تسهيلها في آن واحد، فالفوضى الضاربة يجب أن يشارك فيها الجميع. ما يفيد في إبقاء المشهد غامضاً، لتصح مطالبة كل طرف بكل ما يحفظ طموحاته لا حقوقه، دونما التزحزح عن مواقفه. فالإيرانيون تحت المظلة أو اللامبالاة الأمريكية جاهروا بوصول 7000 مقاتل، على أمل أن يصبحوا عشرة آلاف في القريب العاجل، والأهداف متواضعة وبريئة، دعم الجيش السوري والمسلحين الموالين له بدمشق في المرحلة الأولى، وفي مرحلة ثانية استعادة السيطرة على ما خسروه مؤخراً. العملية عاجلة قد تبدأ خلال الأيام القليلة القادمة بعد أن سبقها اعلان بالنصر المحتم، سجله أمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني بقوله إن الأوضاع في سورية ستتغير قريباً، أي سينقلب حال النظام من الهزيمة إلى النصر. بينما الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس أكد باختصار: سنفاجئ العالم. كما رشح أن إيران ستعلن عن عقد معاهدة دفاع مشترك مع نظام الأسد، مع أن ما يجمع إيران بالنظام، يتجاوز معاهدة الدفاع المشترك، بعدما حلت محله في الحرب. بحيث يصح القول إنها تتعامل مع سورية على انها جزء من ممتلكاتها الامبراطورية. فالدفاع المشترك، كان شاملاً أكثر منه مشتركاً.

المتغيرات والمفاجآت القادمة معمول حسابها، وإن من دون تعيين، فأي تقدم أو صمود للمليشيات الإيرانية سيعتبر نصراً كبيراً، لاسيما وأن الأمريكان والروس يؤيدان التدخل الايراني، بعدما أزعجهم تقدم المعارضة المسلحة في الشمال، وطبقاً لاتفاقهما على تولي حلحلة الأزمة السورية، لا بأس بدفع إيران والنظام وداعش والنصرة، وكل من يحمل السلاح إلى المحرقة السورية، وإن كان أول من سيحترق بها هو الشعب السوري، لا منقذ له من القتل، ولا أمل حتى بتحييده من براميل النظام المتفجرة، وما أضيف إليها مؤخراً من الألغام البحرية.

لمزيد من الفوضى، قطعت واشنطن أي أمل بمساعدة السوريين، أو حتى السماح بمناطق آمنة للمدنيين، لئلا يستفيد منها الإرهابيون، تبنياً لدعاوى النظام بأن المناطق المحررة بيئات حاضنة لإرهاب سيرتد على العالم، ومن الاحتياط بعد استدراج الإرهابيين إلى سورية محاصرتهم فيها. واحتمال مشاركة الطائرات الأمريكية طائرات النظام بمطاردتهم وتصفيتهم، وقد حدث، وإن أصاب القصف المدنيين العزل. في الوقت نفسه، تعلن واشنطن عن استبعاد أي تعاون مع النظام السوري. وتشدد على أن الأسد “ليس له أي مستقبل في سورية” الاسطوانة المعهودة الذي لم تفتر الادارة عن ترديدها منذ بداية الأزمة من دون أن تجد طريقها إلى الواقع. هذه المرة وصفت المتحدثة بوزارة الخارجية أي حديث غير هذا بأنه “محض هراء”، هذا الوصف القاسي في الرد بدا كأنه صحوة أمريكية لتصحيح السبات الأمريكي.

كذلك الروس الذين أسهموا دائماً بتعقيد المسالة السورية، لم يتوانوا عن ادراجها في المزيد من الخلط، بإصرارهم على انعدام وجود بديل للأسد والحكومة الحالية، وإلا أمسك المتطرفون والإرهابيون وتنظيم الدولة الإسلامية بزمام الحكم وسيطروا على أراضي سوريا بالكامل، لتتحول إلى صومال أخرى. كالمعتاد موسكو ارسلت بعض التطمينات إلى واشنطن عن استعدادها لبحث مبادرات جديدة ومراجعة خيارات مختلفة لتسوية الأزمة السورية من دون إضاعة الوقت، أما السنوات التي ضيعتها فلا حساب لها. ذلك بعدما لوحت أمريكا بأنها ستعمل على تنفيذ سيناريوهات تتعلق بإزاحة نظام الأسد في دمشق عبر التعاون مع الجماعات والتنظيمات المسلحة المعتدلة.

أما النظام الذي اعتاد أن يكون على رأس الفوضى، فشارك بها على طريقته، بالثبات على موقفه معلناً: لا مفاوضات فيها تنازلات. وكي نفهمها جيداً، لابد من تصور الجعفري يلقي بهذه الكلمات المسرحية من منبر الأمم المتحدة، فالمكان يسمح بالتبجح، لكن فيما لو حدث حل جدي، فالتنازلات مؤلمة جداً بحيث انها ستطيح بالنظام لا محالة.
قد يكون في استعارة تعليق المتحدثة باسم الخارجية الامريكية على هذه الفوضى العارمة من التصريحات، مروراً بمبادرات المراوغة الروسية والصحوة الأمريكية المختلقة، وإهمال مفاوضات بلا تنازلات، إذ لا تستحق أكثر، بأنها كلها “محض هراء”.