منذ نشطت حركة ترجمة الرواية إلى العربية، بدأت الكثير من القوائم ــ ومن بينها “الأكثر مبيعاً” ــ بالظهور على وسائل التواصل الاجتماعي، وإن بشكل محدود، وغير منتظم، ولا دقيق، مجاراةً للقوائم الغربية؛ فنحن في عالمٍ معولَم، لم يعد هناك ما يُدعى بالسرقة ولا بالتقليد، إنه التأثُّر الحميد. أمّا إلى أي حدٍّ هو حميد، فثمّة شكوك، وريثما يُفصل في هذا الأمر، فلننظرْ إليها كظاهرة غربيّة في سبيلها إلى أن تكون عربية أيضاً، فسوق النشر هي سوق الكتاب، والكتاب ــ مثل أي سلعة ــ يُعرَض للبيع ويبحث عن مشترين.

لا تقتصر القوائم الغربية على الروايات؛ هناك قوائم السيَر الذاتية للسياسيين والأدباء ورجالات التاريخ، والكتب الأكاديمية والعِلمية، والطبخ ومغامرات اليافعين… إلخ، وإن بدت الروايات أبرز ما يهتمّ به الناشرون والقرّاء من ناحية أرقام المبيعات، حتى أنها أصبحت من الأبواب الثابتة في صحافة الغرب عموماً. تكاد لا تشذّ عنها أغلب الصحف الأمريكية: “يو إس توداي”، و”نيويورك تايمز”، و”وول ستريت جورنال”، و”سان فرانسيسكو كرونيكل”، و”بوسطن غلوب” و”واشنطن بوست”.

ما يعوّض ثمن كتاب ما هو أن يكون جديراً بالقراءة فعلاً

تتعلّق هذه القوائم بالكمّية التي جرى بيعها خلال أسبوع أو شهر، أمّا الرئيسة المعتمدة، فخلال سنة. وبما أن القوائم متنوّعة وكثيرة، فمن الطبيعي أنّ ما يظهر في قوائم لا يظهر في أخرى، كما قد تكون محلّية خاصّة بمدينة. الهدف منها عموماً تسويق الكتب بدلالة أرقام مبيعاتها، ما يُسهم بترويجها، خاصّةً عندما تترافق بتعليقات صحافيين وقرّاء ونقّاد في عروض الكتب على الصفحات الثقافية والمواقع الالكترونية، حيث يُقتطع منها الأبرز في لفت الانتباه، ويوضع على الغلاف الخلفي، أو على الصفحات الأولى من الرواية، وهي من قبيل هذا النمط: “قصّة مرعبة، عالم مجنون، مثيرة للقلق، سرد جهنّمي، خيال مروّع…”، أو على نحو مختصَر: “مدهش، آسر، مثير، جميل، مؤلم، رائع، مشوّق…”.

قد تجتمع بعض هذه الصفات في كتاب، وفيها الكفاية ويزيد، فالترويج مثل الكذب لا حدود له، ولا ضرورة للتأكد من مصداقيته، ونحن لسنا بصدده.

تتركز الدعاية على ما يجلب الاهتمام بالأنواع الدارجة، كالمغامرات البوليسية والقصص التاريخية، إلى السحر والأشباح، وأحياناً العِلم والكوارث، وفي العقود الأخيرة، الجنس والفضائح والممنوعات… ما يؤثّر في أرقام المبيعات صعوداً وهبوطاً.

بالاسترشاد بقائمة “ببليشرز ويكلي” الأكثر اطّلاعاً، وربما موثوقيةً، سنحاول أخذ فكرة عن أنواع الكتب الأكثر مبيعاً خلال القرن الماضي. يلاحَظ أن الكتب التي حافظت على الهيمنة على أسواق القراءة كانت كالتالي: رواية المغامرات “رجل الغابة” لزان غراي (1920)، الرواية التاريخية “الحياة الخاصّة لهيلين طروادة” لجون إرسكين (1926)، الرواية البوليسية “قضيّة مقتل الأسقف” لـ س. س. فان داين (1929)، الرواية الاجتماعية “الضوء الأخضر” لويد دوغلاس (1935)، الرواية العائلية “كم كان وادينا أخضر” لريتشارد لويلين (1940).

هذه القوائم لم تكن كتيمة تماماً، إذ استطاع بعض الكتّاب الكبار اختراقها، مثل سنكلير لويس، وكان أوّل كاتب أمريكي يفوز بجائزة نوبل عام 1930، وأصبح على القائمة باستمرار رغم الخلاف على تقييمه؛ وكذلك جون شتاينبك في روايته “عناقيد الغضب”، ومارغريت ميتشل في روايتها “ذهب مع الريح”، وغيرهم، لكن بشكل محدود لا يضاهي الأعمال المتصدّرة للقوائم. استمرّت هذه الأنواع من الروايات، على الرغم من تسلّل الروايات العاطفية، والحربين العالميتين الأولى والثانية، ما أضفى تنويعاً على الكتاب الرائج أصاب حظّاً وفيراً في “قصّة حب” لإريك سيغال.

إن الكتب الأكثر مبيعاً ليست مقياساً صالحاً للحكم على عُمر الكتاب، فقد يولد في هذا الموسم، ويموت في الموسم التالي. تضاف إليها ظاهرة لافتة تتجلّى في تمويت الكتاب، ثم عودته إلى الحياة بعد عدّة عقود من السنين، مع اكتشافات النقّاد.
ما السيّئة التي تنشرها ظاهرة “الأكثر مبيعاً”؟ تبدو في التركيز على أنها الكتب الأفضل، وهي فكرة تشجّع عليها دور النشر، وما أكثر القرّاء الذين يسترشدون بهذه القوائم، ولا يعني انتقادها سوى أنها من تدبير محرّرين صحافيين، كما لا يمكن لكتاب أن يحوز على الإجماع الذي تبدو عليه، إلّا على أنها عدوى، هذا إذا كانت بريئة. وإذا بدت محرّضة على القراءة، فلا يغيب عنّا أنها وبالدرجة الأولى تحرّض على الشراء. لكنّ ما يعوّض ثمن الكتاب ويزيد، هو أن يكون جديراً بالقراءة فعلاً.