سواء ما زعمه النظام السوري عن ارتباط اهداف الاعتداء الاسرائيلي بدعم المعارضة المسلحة، أو ما زعمه الاسرائيليون عن استهدافهم شحنة من الصواريخ الإيرانية كانت في طريقها إلى حزب الله. تعلن الغارة الاسرائيلية الأخيرة بالإشارة إلى حجمها واتساعها بدء التدخل العسكري في سورية.
مزاعم النظام السوري لا تصمد أمام حقيقة أن الغارة لم تكن في صالح ثورة تفتقر إلى السلاح، وبدأت في الفترة الأخيرة، تتراجع عن بعض مواقعها، وتفقد زمام معاركها على الأرض، وقد تصبح في حال التدخل العسكري رهينة لأكثر من طرف، مما سيمعن في تمزيقها أكثر مما هي ممزقة . اسرائيل تنحو إلى افقاد السوريين جهوزيتهم المستقبلية، بإحالتهم إلى شعب منزوع السلاح. فمنذ بداية الثورة وحتى الآن كان واضحاً أنها لا تهتم إذا قام السوريون بقتل بعضهم بعضاً، وتفضل استمرار الحرب بينهم، ولا مانع لديها من إفناء سورية. فلا يتشدق أحد بالمؤامرة، مصلحة اسرائيل هي مؤامرة مستديمة. ما أصبح الآن واضحاً الدور الذي طالما طمحت إلى اسناده إليها وهو شرطي المنطقة، اليوم هو حراسة خطوط حمراء، تتبدل وتتغير من فترة لأخرى، تخضع على الدوام للاستراتيجية الإسرائيلية.
خلخلت الغارة من قوة النظام، لكن لحسابات تعني اسرائيل وحدها، ولا يستبعد أن تكون لديها أهداف أخرى كاستدراج حزب الله من لبنان إلى الداخل السوري، بتوريطه بإرسال عدد أكبر من قواته إلى القصير، ليس لأن الساحة أوسع، بل لإخراجه من بيئته الحاضنة، لتوفر بيئة مفتوحة للقصف. كذلك تحريض إيران على المزيد من التدخل، ما يشكل معركة، فيما لو اشتعلت، هي مستعدة لها، تمتد لا محالة إلى الداخل الايراني. مبرراتها خطر أن الايرانيين ومعهم حزب الله أصبحا على حدودها، ما يهدد بفتح جبهة ثانية في الجولان.
ليس التدخل العسكري الخارجي سوى تحويل سورية إلى أرض مستباحة للكثير من الأطراف وللعديد من الحسابات، ما سيؤدي إلى تعقيد المسألة السورية أكثر مما هي معقدة، وهو ما كان النظام يحاوله من خلط للأوراق بأمل إطالة عمره، وقد يعطيه عمراً ثانياً، يبعد عنه النهاية، بإغراق البلاد في مستنقع يغص بالدماء، في انتظار الوحل الذي ستأتي به الأقدام المتسارعة للغزاة، لئلا تفوتهم أنصبتهم من الحصص الساعين إليها والموعودين بها.
يسعى النظام إلى تقسيم سورية إلى دويلات وكانتونات ما يتيح له الانتقال إلى ما يشبه دولة، لن تكون إلا ميليشيا بين ميليشيات وعصابات خارجة عن أي قانون، هذا ما تبشر به حرب يُقتل فيها الأطفال والنساء والشبان ذبحاً بحد السكين… نظام أرعن لم يعد أمامه سوى ممارسة المزيد من الوحشية، تعضده ايران بنصائحها وخبراتها وخبرائها وأسلحتها. وحزب الله الذي اختار الانخراط في هذا الجنون الهمجي، وركب موجة الافتراء، تحت زعم حماية مقدسات، هي مقدسات السوريين جميعاً من دون استثناء. أما المقدس الذي يجري انتهاكه فهو الحياة التي تُسحق كل يوم، بلا وازع ديني أو أخلاقي أو سياسي، يبيحها التعطش إلى السيطرة على البشر، وجعلهم محرقة لمرجعية أحادية وشمولية واهمة. ولم يكن تجاهل القتلى من المدنيين العزل الذين قتلوا لمجرد أنهم كانوا في بلداتهم البيضا وراس النبع، الا التأكيد على الانحياز المطلق لعقل غير سياسي ومنحرف.
كما طوال سنتين، سورية تحترق، ما دام هناك من يشعل النيران فيها. الأمل ضعيف إن لم يكن يتلاشى من أن يرحل النظام مكتفياً بما أحدثه في سورية من دمار وموت، أو تستيقظ إيران من سعيها الأعمى إلى الاستحواذ على الأرواح واحتكار صوابية الإيمان وشرعة الثأر، أو اعتذار حزب الله عن أكاذيب لا قداسة لها، وبطولات جنوده الذين يمعنون في قتل سوريين جمعتهم معاً من قبل أكثر من محنة واحدة.