إذا كان النقد لا يؤدي دوره، فهذا ليس مدعاة للاستخفاف به. إن سلطة الناقد الذي يدرك أهمية عمله، لا تأتي من العلاقات الشخصية ولا العامة، وإنما تنطلق من الثقافة بالذات، مجال عمله الرئيسي. وقد يظن البعض أن عمل الناقد هو المدح والذم والتعليق على الكتب المنشورة وتزكية أديب أو أديبة. فيُخطَب ودّه لهذا السبب، في حين يُهاب النقّاد الحقيقيون مثلما تجري الاستهانة بهم أيضاً.
عمل الناقد إبداعي، لا يقلّ عن عمل الشاعر والقاص والروائي، إنهم في المرتبة نفسها، غير أن عدة الناقد تزيد على عدة أقرانه الأدباء، فعدا الثقافة، يتمتع بالذائقة الجمالية والبصيرة النفاذة، وقليلاً ما اجتمعت هذه الصفات المرموقة إلا في القليل من النقّاد الكبار، نستطيع أن نتذكر مئات الروائيين والشعراء في البلاد العربية، أما النقاد فلا يزيدون عن عدد أصابع اليد الواحدة، وربما أصابع اليدين مع بعض المبالغة.
مهمة الناقد الفعلية اكتشاف الفن الحقيقي، وليس من السهل، فالفن ليس موجوداً في مكان سرّي لا يعلم به سوى النقاد والأدباء مخترعي الفن، مفتاحه الوحيد في حرز أمين لا يعرف به غيرهم. ولا الفن جوهر ثابت، ما يشكل مرجعية يقارن بها ما يُكتب، ويُقاس عليها.
” لم تعد عدّة الناقد تكتفي بما اطلع عليه من مناهج نقدية”
الفن جوهر متعدّد بتعدّد الأنواع والتيارات الأدبية، منفتح على الحياة، وما تأتي به الموهبة من جديد، ينبثق من مفهوم أساسي؛ العمل الأدبي يأتي أولاً، ويبتدع الفن، ولا مثال واحداً يقتدى به. يخطئ بعض القادمين الجدد الى الأدب حينما يعتمدون قدوة يقيسون عليها ما يقرأونه وما يكتبونه، وما يشذّ عنه لا يصحّ فيه وصف الفن.
الفن بطبيعته متنوّع ومتوالد، وأحياناً مخلوق من لا شيء، وربما من الأوهام، مع الوقت يكتسي بالحقيقة. بينما النقد منقاد إليه، في الكشف عن جمالياته وجدواه.
يُعتمد اليوم النقد الانطباعي، وهو نقد انتقائي، يمليه تداخل التيارات الأدبية في أشكال تنحو إلى التجانس تحتّم صيغة مرنة للنقد، ما يؤهّل الرواية لتصبح دليل النقد العاجز عن مواكبتها، لذلك الشكوى من تخلّفه.
لم تعد عدّة الناقد تكتفي بما اطلع عليه من مناهج نقدية. بات عليه اقتحام العمل الروائي بالخبرة والذائقة ولا تزيّد في القول إن محكمين في لجان الجوائز، لا يمتلكون ذائقة مدرّبة على قراءة الروايات، بل وأحياناً يأخذون على سبيل الجد ما كتبه الروائي على سبيل السخرية، ولا يميّزون ما يُطرح من أفكار، فيظنون أنها من آراء الكاتب، مضى وقتها، غافلين عنها أنها تتماشى مع زمن الحدث الروائي، وكانت مناخ العصر في ذلك الوقت.
بينما ما يزال النقد الأيديولوجي في “اتحادات الكتّاب” يسير على هدى عنوان مخاتل؛ “المقاومة والممانعة”، فيعيب على الرواية، إن لم يمنعها، عدم انحيازها للأنظمة التي تدّعي أنها تحمل القضايا القومية على عاتقها، ولو كانت تقتل شعبها بالأسلحة الثقيلة وبالكيماوي.
-
المصدر :
- العربي الجديد