لم يتمكن الفرنسيون من الوصول إلى الديموقراطية إلا بعد عدة ثورات، أو فلنقل بعد ثورة مشوارها طويل تقلبت خلاله فرنسا بين الجمهورية والملكية الدستورية والمطلقة، ولم تكن الديموقراطية على المستوى المأمول، كما تخيلوها. ثمة فارق بين الواقع والخيال يغفل عنه البشر أحياناً. ما زال فريق من الفرنسيين يحن إلى الثورة، فلا يحصلون إلا على الفوضى، فيراهنون على الشغب.
الثورات العربية، وضعت المنطقة على سكة الديموقراطية، القاطرة لم تنطلق بعد من المحطة الأولى.
أسهم المفكرون والكتاب في الثورة الفرنسية قبل حدوثها، مهدوا لها الطريق بأفكارهم، ونظّروا لها. كانت الثورة نتاج عصر الأنوار، الثورات العربية، نتاج عصور الظلام والنهب.لم تشكل الثورة الفرنسية منعطفاً في تاريخ الأدب، الروائي بلزاك الذي جاء بعد الثورة، كان ميالاً للملكية، استمد من الثورة والفترة النابوليونية شخصيات الكثير من رواياته. لكن الثورة وفرت مادة غنية للكثير من الروائيين مثل فيكتور هيغو وأناتول فرانس ورومان رولان.
نجحت الثورة الروسية بفضل البلشفيك، عصابة من المتآمرين، لديها ترسانة من الأفكار، لولا مبادرة لينين الجريئة لما أفلحت، وما كان استمرارها إلا لأنها تسلحت بالعنف والحرمان والإرهاب، ما أدى بها إلى دولة شمولية. تحصنت فيها آلة الحكم بالطغيان، لا حرية رأي ولا انتقادات. كبار الكتاب الروس الذين صنعوا مجد الأدب الروسي، رحلوا قبل الثورة، مثل دستويفسكي وتولستوي. كانت لهم آراء قوية مناهضة للعهد القيصري، الكتاب الذين آزروا الثورة مثل غوركي اصطدموا مع رجالاتها، والأدباء الشبان الذين دعوا للثورة وناصروها، ردت عليهم سلطة الثورة الجميل بالقضاء على الواعدين منهم، وتكفل جدانوف شرطي الأدب الروسي بتهميش الباقين منهم، وتحويل الموالين إلى كتبة أدب واقعي يتميز بالخمول والمحدودية، نجا منهم باسترناك لأنه لم يمتثل لهم.
رواية باسترناك الشهيرة “دكتور زيفاغو” كانت عن الثورة.
تاريخ الأدب يختلف عن تاريخ الثورات. الأدب قد يسهم في الثورة، لكن الثورة لا تصنع أدباً. لكل منهما سيرورته، يتقاطعان في محطات كثيرة، لكنهما لا يتوازيان.
هل تحدث الثورة انقلاباً في المجتمع؟ قد يبدو السؤال فائضاً عن الحاجة، وهو هكذا بالفعل، الأفضل التساؤل عن إحداث متغيرات أخف وطأة، وأكثر إيجابية. الجواب إذا استرشدنا بالماضي، لن يكون ساراً، أغلب ما يحدث هو ارتدادات عن مبادئ الثورة الى عبادة البطل، الضحية الأولى هي الحرية، ليس كمجرد كلمة، بل كفعل انساني، يُضطهد الشعب تحت رايتها.
الثورة السورية، من حسن حظها، لا قائد لها، وهو من سوء حظها أيضاً.
هذا ليس زمن الأبطال.
يحاول الأدب تذكير الثورة ان من أولى مهامها الإنسان، وأنها قامت من أجله، بالتالي ينبغي ألا يكون البناء من فراغ ولا على فراغ، ثمة بوصلة هي الإنسان، ثورة بلا بوصلة، تضيع في مهب الانانيات والمنافع الشخصية والنزوع إلى السيطرة، طالما هناك من يعتقد أن الهدف من الثورة هو الثورة، وهناك من يذهب بالثورة إلى الديكتاتورية.
السؤال: إلى أي حد على الادب التورط في الثورة؟ ولكي يكون السؤال أكثر تحديداً، يجب أن يكون بهذه الصيغة: هل يستطيع الأدب ألا يلوث يديه بالدماء؟ يصح هذا السؤال، لو أن الأدب نظيف، غير ملوث بكل قذارات عصره، ولم يرتكب الفاحشة ولا الخيانات، بالمقارنة ربما طهرته الدماء، وكانت فعل ندامة. عموماً، لا يحق لهذه الأسئلة أن تكون محك الأدب، الأسئلة ملغاة. الأدب متورط شاء أو أبى.
من ينتظر مآل الثورة، ينتظر لحساب المجهول الآتي، للأدب صيرورته الخاصة، قد يساعد على التغيير، ويستفيد منه، أو يثقل عليه ويقيده. للأدب دوراته الانقلابية التي لا ترتبط بالثورات ولا بالسلطات. الأدب نهم للحرية ولا يشبع منها، وبالضرورة على عداء مع السلطة، ولا يمكن استتباب الأمور للثورة بلا سلطة . الخلاصة، على الأدب أن يحافظ على استقلاليته إزاء السلطة والثورة معاً.
-
المصدر :
- المدن