لم تعد الأخطار في المنطقة تقتصر على الحاضر، فالخراب الحاصل سيمتد إلى المستقبل، فيما إذا اخذنا حقوق الدول في سورية على أنها من الحقوق الطبيعية، وإن كان ما يرجى حالياً رأب الصدع بين النظام والمعارضة من خلال الاجتماعات والمبادرات والمفاوضات، قد تحرز تقدماً ما، غالباً نحو المجهول، إذ أن الآمال المعقودة عليها تساوي الصفر. اجتماعات دي ميستورا في جنيف لن تؤدي إلى حل، مثلما من قبل مبادرته التي عزم بواسطتها على تفكيك المعضلة السورية من الأسفل بعقد بعض الهدن، تتوسع في ما بعد، ما يؤدي إلى إخراج حلب من الحرب إلى مصاف المدن الآمنة، ومنها انتقال الهدنة إلى المدن الأخرى، وعودة النازحين إليها. هذه المبادرة الطموحة، أخفقت ولم تتحقق. دي ميستورا لم ييأس، بل اتسع حجم طموحاته مع البدء من جديد في حلحلة الأزمة السورية، فانقلب الحل المنشود رأساً على عقب بالحل من فوق بدعوة إيران إلى جنيف، على أمل ألا تكون طرفاً معطلاً، وأن تلعب دوراً إيجابياً فعالاً يسهم في تسهيل المفاوضات لقدرتها على التأثير في قرار النظام السوري، مراهناً أيضاً على أطراف أخرى في تحقيق توازن يتيح له ابرام صفقة تحفظ نفوذ ومصالح الجميع، ما يساعد على تذليل عقبة إحلال وقف إطلاق النار، “التجميد” بحسب دي ميستورا. بعدها يسهل إرضاء باقي الأطراف.

لم ترقَ الاجتماعات في جنيف إلى أكثر من مشاورات، حتى وهي تتلكأ بحالتها الحاضرة، قررت فصائل الجيش السوري الحر الاعتذار عن عدم المشاركة فيها، واعتبرت أنها لن تكون خطوة بناءة في بلورة حل حقيقي. كذلك احتج الائتلاف السوري المعارض على طريقة معالجة الملف السوري، والخوض في عملية مشاورات غير واضحة وغير محددة الأهداف. وكلاهما اعترضا على دعوة إيران إلى المشاورات، لعدم الإشارة بوضوح إلى رحيل الأسد ونظامه.

ما مصير سورية إذ يتحكم بها اعداؤها؟ بعد ما يزيد على أربعين عاماً من الاضطهاد، يأتي المجتمع الدولي ليمنح إجازة دولية ببراءة إيران وروسيا وارسالهما إلى المستقبل السوري ليرزحا فوق صدور السوريين، وكأن مصالحهم لها الأولوية على تعافيهم.

إذا كان الحل المنشود يحقق مصالح إيران وروسيا، بتسويات تحفظ حقوقهم في سورية، فهو لا يحفظ حقوق الشعب السوري، كأن ما رتبه عهدا الرئيس الأب والرئيس الابن، حقوقاً ابدية على مستوى الزعامات الأبدية، حقوقاً إلى ما شاء الله، وعلى حساب السوريين، صيغت من أجل تثبيت أوضاع لم تقم إلا بالاستبداد والطغيان. وبزوالهما لا معنى لأي حقوق قامت عليهما، ومنها على سبيل المثال شحنات الأسلحة للنظام، هل يدفع السوريون ثمن القنابل التي تقتلهم وتدمر بيوتهم؟ ألا يعتبر عدم تسديدها من خسائر المهنة التي عملت دولتان على الفتك بالمدنيين وتهجيرهم وخراب البلد. إن حقوق الدول التي ترتبت على الأزمة السورية، ليست إلا باطلاً بني على باطل.

لا جدوى من دي ميستورا، كما لا أمل من القمة الامريكية الخليجية في كامب ديفيد، سوى في إيجاد الذرائع لعدم توافر حل يفضي إلى اخراج إيران من الحلول السياسية، مثلما حزب الله على الأرض، ومعه المليشيات المذهبية، يمنعان أي حل. فإيران أصبحت في وعي السوريين دولة احتلال، وروسيا تلعب دورا استعماريا في منع السوريين من التحرر، والتغطية في مجلس الأمن على جرائم النظام. هذه النظرة تدين أنظمة الحكم في البلدين، إلا إذا جاءت أنظمة تدير دفة الحكم نحو حسن الجوار.

العدالة شعار كان على الدوام يرفع في وجه أنظمة القمع والاستبداد. وكان احد الشعارات التي رفعها المتظاهرون. آنئذ طالبت الوفود الشعبية السلطة بالتحقيق في تعذيب الأطفال وقنص المتظاهرين، ورغم ازجاء الوعود جرى التنكر لها. هذا الشعار ما زال مرفوعا أمام أي تحرك دولي. والعدالة اليوم تملي أن يكون الشعب السوري هو الطرف الفاعل في أية مشاورات أو مفاوضات أو حوارات، وأن يؤخذ بعين الاعتبار كل ما يساعد على نقل سورية من نظام الحكم الشمولي إلى نظام ديمقراطي.