هل علاقة العنف بالأديان علاقة لا انفصام فيها، ولا بارقة أمل بفك ارتباط الواحد بالآخر؟ السوابق التاريخية لا تشجّع على انفكاكهما، وما يرجى هو وصول الحضارة إلى الشعوب التي ما زالت الأديان تثقل كاهلها، ربّما في التخلّص منها، تحقيق قدر من السلام يسمح لها بالتفكير في العلاقات بين البشر من دون الحاجة إلى دين ينظّمها، العقل وحده كفيل بذلك.

ليس هذا السؤال، ولا ذاك الجواب من قبيل الجدل الفكري فقط، وإنّما ما يجري على أرض الواقع، سواء في الغرب أو الشرق، وبات المقصود منه الإسلام، وما نجم عنه من حوادث عنف في العقود الأخيرة.

تستند هذه النظرة إلى مقولة شائعة هي أن العنف ظاهرة دينية، اكتشفها الغرب منذ قرون واستثمرها، ثم تحرّر منها بالإلحاد واللاأدرية، وبالشكّ المتواصل. لم تأت تجربة الغرب مع التديّن العنيف من فراغ، فقد جرى استغلالها في حروب الهيمنة. في ذلك الوقت، أُسبغ عليها وصف “الحروب المقدسة”، تجلّت في الحروب الصليبية التي شنّتها أوروبا المسيحية على الشرق المسلم، بدعوى استعادة أرض مهد المسيح، كذلك في اضطهاد الأقليات الدينية كالبروتستانت، وصل إلى ذروته في حرب الثلاثين عاماً. بلغت المجازر من الوحشية حد ارتكاب جميع الفظائع.

” الجشع يجعل من الأديان بيئة صالحة للاستثمار”

إذا لم يكن الدين العامل المشترك في الحروب والمجازر، فواحد من الأسباب الرئيسة، إضافة إلى العوامل الأخرى كالاقتصادية. فللتديّن تاريخه الدموي المبكّر، الذي كان بتقديم الأضاحي البشرية إلى الآلهة، ولم تشكل بعدها تداعياته سوى تحصيل حاصل.

منذ أواخر القرن الماضي، حسب سياسيين غربيين، تشير الشواهد إلى أن جذوة الدين المتطرّف قد توطّنت في بلاد المسلمين، والغرب أكثر المتضرّرين من الانتحاريين “الجهاديين”. بالتالي يحقّ له احتكار توصيف العنف وتوزيع الاتهامات. فبات الغرب هو الحَكَم، أما الإسلام فالخصم الشرير. ما يطرح صيغة السؤال بشكل أكثر تحديداً: هل الإسلام دين العنف؟

لا تخفي سلسلة الحروب الجانب العنيف للصراعات البشرية، بحيث يبدو تاريخ العالم من صناعتها، ولم تكن غالبيتها العظمى ذات بواعث دينية فعلاً، ما يجعل الربط بينهما متعسفاً، وإن أصبح الدين سلاحاً مجرّباً قادراً على تجنيد ملايين العوام وزجّهم في حروب تعتمد السلب والنهب مكافأة من الله، فالغرب رفع الرايات الدينية منذ قرون، وكانت ادعاءات فتوحاته الاستعمارية في تحضير الشعوب وهدايتها إلى الدين القويم، ذريعة لاستباحتها. ثم جيّرت للاتجاهات الفوضوية التي مارست العنف في سبيل تحقيق مجتمع المساواة.

مع ظهور الأيديولوجيات العلمانية، في روسيا السوفياتية، وألمانيا النازية، وإيطاليا الفاشية، لم تخف نزعاتها القومية الشوفينية والعقائدية إطلاقية تقلّ عن الأديان. وخاض الغرب حربين عالميتين ضحاياها مئات الملايين. كانت حروب هيمنة وأمجاد باطلة.

ليس العنف اختصاصاً دينياً، إنما الجشع يجعل من الأديان بيئة صالحة للاستثمار بتحويلها من نطاقها الشخصي والروحي والأخلاقي إلى مادة للخلاف وذريعة للتحريض على القتل.