تحكي روايتي “المترجم الخائن”، الصادرة عام 2008، عن مترجم لديه آراء غريبة في الترجمة، لكنّها قابلة للنقاش؛ فهو يعتقد أن النقل من لغة إلى لغة قد يستلزم تدخّل المترجم بالشرح منعاً للتأويل، بهدف إيصال الرواية إلى القرّاء خاليةً من اللبس، بالاستعانة مثلاً بهوامش، ما يساعد القارئ على فهم العمل القادم من بيئة مختلفة. وسوف تسوّل له نفسه تغيير خاتمة رواية كان يترجمها لأسباب وطنية، وذلك بعودة الطالب الموفَد، الأسوَد، إلى وطنه الأفريقي بدلاً من البقاء في أوروبا بعد انتهاء دراسته، ليستفيد منه بلده. ونكتشف في ما بعد، أنه لم يُقدِم على فعلته إلّا لأنّ في داخله روايةً وجدت منفذاً لها في إعادة صياغة خاتمة الرواية. الموضوع ليس هنا إلّا من ناحية توخّي المترجم – رغم شطحاته – الدقّة والأمانة في ترجماته.

تشهد الترجمة إلى العربية ازدهاراً ملحوظاً في الكمّ، لكنْ ليس على الدرجة نفسها في النوع، والسببُ هو النصيب الضئيل من الدقّة، ما انعكس على جودة الترجمة. يُلاحَظ ذلك من ركاكة النصّ، وصعوبة الفهم، ما يدفع إلى الظنّ أن المؤلّف ليس بهذه الركاكة، وإنّما العيب في الترجمة المتعثّرة. كما أن أسلوب المترجم هو الذي يظهر، لا أسلوب الكاتب، فلو أنه تَرجم شكسبير وميلتون، لن يختلف أحدهما عن الآخر.

هذا أكثر ما نلاحظه في ترجمة الروايات، وهو ما تشيح دور النشر نظرها عنه، فتُسارع إلى إصدارها من دون الاعتناء بمُراجعة الترجمة، أو التأكّد من جودتها، أو تحرير الكِتاب من الأخطاء اللغوية وغيرها. تتغاضى عن كلّ هذه العيوب، لئلّا يفوتها سوقُ القراءة الذي يشهد إقبالاً على الرواية. ما يُشير إلى الحضور الوفير، الباهت والمضلّل للروايات المترجمة إلى العربية. بالعودة إلى مترجم مثل سامي الدروبي، فإنّ ترجماته لأعمال دوستويفسكي وتولستوي وإيفو أندريتش مثالٌ يصحّ أن يُحتذى به في الدأب على الأمانة والدقّة. وهكذا، مثلما كنّا نشكو من قلّة ما نترجمه، فالكثرة اليوم تتمّ على حساب الأمانة والدقّة.

ما يجعل ترجمة الأدب المتواضع مستمرّة هو وجود مصادر تموّلها

هذا الكلام، لننتقلْ منه إلى الكتب المترجمة من العربية إلى اللغات الأجنبية. يفاجئنا أن الوضع معكوسٌ تماماً، فالنصّ العربي المتواضع، الذي يُرشَّح للترجمة مع توافر الأفضل، يصبح – بقدرةِ قادر – كتاباً يختلف عن الأصل، بمعنى أنه أفضل منه. يحدث ذلك، طبعاً، بتدخّل المترجم في النصّ بالتعديل والتشذيب، لرفْع سويّة الكتاب، إلى حدٍّ يدفع إلى التساؤل: هل الروائي العربي صاحبُ هذا الكِتاب، أم المترجم الغربي؟ أمّا الحجّة، فليست إلّا ليصبح مستساغاً للذائقة الغربية، ولا يُقصد بها عملية التحرير، فالأمر يتعلّق بالصياغة مع حذف الكثير من السقطات التي لا تصدر عن كاتب مبتدئ.

المهمّ، أصبح يمكننا الحديث عن أن لدينا كتباً مترجمة إلى اللغات الأجنبية، وفي هذا الكفاية، ما ينقل الكاتب العربي إلى العالمية، مع أن كتابه لم يحقّق رواجاً ولا انتشاراً. فالنصّ، حتى بعد رفع سويّته، لا يشكّل اختراقاً في الأدب العالمي، أو يحقّق مكانة، لكنّه سيمثّل الأدب المصري أو العراقي أو المغاربي… وطبعاً، سيجد هؤلاء المؤلّفون مَن يكتب عنهم في الصحافة مقالاً أو مقالَيْن من قبيل المجاملة.

رغم التراكم التدريجي – ولو كان محدوداً – للترجمات العربية إلى الغرب، فقد بدأ يُشاع عن هذا الأدب أنّه لا يستحقّ الترجمة، ما يعني توقّف هذا النزر اليسير من ترجماته؛ أمّا ما يجعله مستمرّاً حالياً، فوجود مصادر تموّله، والظنّ أنها ستدوم فترةً، إلى أن تصبح لديهم القناعة بأن الدخول إلى سوق الكتاب في الغرب لا يتأتّى عبْر التدخّل في الكتاب، وإنما بالبحث عن كتاب يصحّ القول إنه يمثّل هذا الأدب المغاير، ويسمح بالتعرّف إلى مجتمع آخر.

المشكلة أن الجهات التي ترشِّح، أو تختار، تنظر إلى الترجمة على أنها عمل روتيني، يُملي عليها الاهتمامَ بالبلدان الغائبة عن الخريطة الروائية في العالم، مهما أصبح لها من حضور، وأصبح الكاتب معروفاً واسمه مألوفاً، وثمّة مَن يسوّق له، كما ليس هناك أفضل منه، إنْ لم يكن مثله أو أقلّ.

لا ينقض هذا الرأيَ أن بعض كتبنا المترجمة تحصل على جوائز، لكنْ هل هي للمؤلّف، أم للمترجم؟ ماذا إذا كانت جوائزَ ترضية، استرضاءً لبلداننا، بمنحها حصّة في العالمية، إلّا إذا كانت عالمية الغبار في المستودعات… لكنْ يكفي أن الترجمة تَمنح الشهرة للكاتب في بلده، لا في الغرب المستهدَف برواياتنا.

هذه الترجمات، التي مهما كان شأنها، وما أحاطها من أقاويل وشائعات صحيحة أو غير صحيحة، لم تفلح في تزكية أدبنا، وما زالت الرواية العربية تفتقر إلى الحضور في عوالم الرواية.