تطالعنا في رواية “جمهورية الظلام” (2023) مجموعة من العناصر والموضوعات والتقنيات الأدبية الحاضرة في روايات وأدب الكاتب فواز حداد، فتحضر فيها لعبة المرايا بين الكاتب وشخصياته من “صورة الروائي” (1998)، ومن رواية “المترجم الخائن” (2008) تحضر لعبة التداخل بين الواقع الروائي والنص الروائي، والاهتمام بتناول فئة اجتماعية معينة، وهي العلاقة بين الأفرع الأمنية والمثقفين والسلطة. ويحضر من تلك الرواية أيضًا الاهتمام بموضوعات الأدب، والصحافة الثقافية، وأسئلة الرواية والقصة والشعر، ومن “السوريون الأعداء” (2014) تحضر أروقة أنظمة المخابرات والأفرع الأمنية، واكتشاف بنية النظام الحاكم في سورية من الداخل، ومن “الشاعر وجامع الهوامش” (2017) تحضر موضوعات العلاقة بين الثقافة والسلطة، والثقافة والأخلاق، أما من رواية “تفسير اللاشيء” (2020) فتحضر منها أسئلة الثورة بعد المستجدات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتاريخية من حولها، أما من رواية “يوم الحساب” (2021) فتحضر الأسئلة الوجودية من الحياة والموت، الدين والمجتمع، الفرد والجماعة.

أسئلة الراهن السوري السياسي والاجتماعي والثقافي
تتميز التجربة الروائية للكاتب فواز حداد بقدرة رواياته على مواكبة الراهن السياسي والاجتماعي والثقافي السوري، فنتلمس في روايته “جمهورية الظلام” أسئلة ما بعد الثورة السورية في ظل الوضع الدولي الراهن، وعبر حكاية أحد شخصيات الرواية يعكس الروائي ما بعد مرحلة قمع الثورة السورية: “لم يكن مخطئًا في التخلي عن النضال، كان لديه يقين بأنه لا مستقبل إلا على شاكلة أربعين عامًا مضت من عمر النظام. لا شيء تغير سوى تلك المظاهرات، ولو كانت عارمة، والاحتجاجات مع أنها محقة، لم يفضيا إلى شيء، رغم أنها شملت المدن والقرى، أطلق الجنود الرصاص العشوائي على المتظاهرين، ثم تولى أمرهم القناصة، ريثما يبدأ القصف بالمدافع والدبابات”. وتتابع روايته الحالية معالجة الأسئلة الاجتماعية والأخلاقية الكبرى، وإن كان بجرعة أعلى من الكوميديا السوداء، ونلحظ ذلك في الرواية عند التطرق إلى نقاشات تشمل موضوعات غاية في الجدية والهزلية في الآن عينه، كالنقاشات التي تجري بين الشخصيات حول تعريف الضمير، تقول إحدى الشخصيات: “إذا كان الضمير قد ورد في كتب الفلسفة والروايات، كأمر مفروغ منه، لكنه خطر في عالم ينبذه. أقولها لك: لم أكن معدوم الضمير، لا ينقصني في عالم يخلو منه. لقد استعدته مما يشبه العدم، إنه بالتحديد ضمير مرن، يأخذ بالحسبان ظروف الزمان والمكان، إنه يريحني، لكنه لا يطمئنني”.

سرديات مروية بمفردات القاموس السياسي
تركز “جمهورية الظلام” على العالم الثقافي والأدبي كما في رواية “المترجم الخائن”، لكنها تحمل انعكاس الراهن التاريخي والسياسي على فئة الأدباء والمثقفين، فعبر أسلوب من السخرية يتطرق الروائي إلى العالم السياسي والعالم الأدبي في انعكاسات كل منهما على الآخر، وتحت عنوان (تسييس الجنس ـ تجنيس السياسة)، يكتب الروائي عن الأدباء: “كانوا متنبهين، حتى لو كانت خلافاتهم شخصية، أو سياسية، يكسونها بطابع أدبي بريء. بينما غالبًا كانت مشاكلهم عاطفية، وبلا سبب سوى الضجر، فهم يعشقون بمناسبة ومن دون مناسبة، بلا وصل ولا وصال، فالغرام شائك تحت القصف، بينما ادعاؤه لذيذ، يمنح جلساتهم نكهة متحللة من الحياء، تسللت إلى كتاباتهم، وكانت مستهجنة، لكن الحداثة بصورتها الإباحية المتخيلة تحضّ عليها”. ويمتد الحدث السياسي في الأسلوب السردي ليشمل المفاهيم العاطفية: “عندما كانت المظاهرات تهدر في الشوارع، تورطت علاقاتهم العاطفية بعد تفاقم الاحتجاجات بالانقسام السياسي بين المعارضة والموالاة، وأسوأ ما حدث أن يعشق أديب معارض أديبة موالية، وبالعكس، فاتخذ النقاش طابع الوداد والتشنج، واكتسى الغرام بالنكد والمكايدة، ما أدى إلى خصام تخللته مساومات على الانتقال من خندق إلى خندق، لم يكن إلا مغادرة طاولة معارضة إلى طاولة موالية، أو بالعكس”.
يميز أسلوب الكوميديا السوداء رواية “جمهورية الظلام”، فالخطوط الروائية تنتقل بين الكوميدي والساخر، وخصوصًا حين المقاربة بين مصطلحات النقد الأدبي والجمالي وبين مصطلحات الراهن السياسي: “احتقنت المناقشات بالروح القتالية اللفظية، واحتدمت بأصوات غاضبة هددت جماليات العلاقات الأدبية بأنواعها الشعرية والروائية والقصصية والنقدية بخصومات كادت أن تكون جهنمية، لكن ثقل الأدب لم يدع الأدباء يتخلون عن التأدب، واتفقوا على عدم ملامسة المناطق الشائكة توخيًا للأمان، وإن كانت دعواهم لئلا تقضي على ما بقي من المزاعم الموضوعية في النقاش، غير أن التمترس وراء المقولات السياسية الحزبية والقومية واليسارية والليبرالية ذهب بالنقاش ثانية إلى مشاحنات كلامية”. ويبلغ اللعب اللغوي الساخر أقصاه في سرد روائي يشرح كيفية التحايل على الرقابة السياسية عبر النهل من قاموس التعبير الجنسي: “جرت تحايلات كان من جرائها إبراز الجانب الجنسي للتعتيم على الجانب السياسي، خشية من المخبرين. فتوافقوا تقية على أن تكون الشتائم السياسية ملغومة بالبذاءة، كان صداها: الشرمطة القومية، والقوادة الاشتراكية، والعهر الليبرالي، والتعريص الإمبريالي، والفحش العولمي، والنخاسة الدينية، الفجور الديمقراطي… وغيرها مما أخذ الأدباء يتلذذون بصياغتها، ولو لم تؤدّ المقصود منها. ما أقصى عنهم الشبهات السياسية، وأحالها إلى مناكفات شوارعية مبتذلة يتداولها مثقفون زعران كشفت عن حجم الشرخ الوطني، فالوطن أصبح وطنين: وطن دموي مقاتل خفية، ووطن ماجن متهتك علانية”.

قاموس الرقابة الأمنية
تتعلق الحبكة الأمنية ـ الأدبية حول قصة يكتشف أحد الشعراء المخبرين (الشاعر سعدي) عن مضمونها المرمز بالدعوة إلى الإنقلاب. القصة بعنوان “الفجر” للقاص أحمد حمد الحمود، وتعكس الرواية نظرة الرقابة الأمنية إلى مضمون العمل القصصي، فيتم استبدال مصطلحات قاموس النقد الأدبي بمصطلحات الرقابة المخابراتية: “لكن على غير توقع وصلت إليه رسالة بتوقيع مجهول، ادعى صفة: “الغيور على الوطن”، قدم إليه الدليل على عابث بأمن الجمهورية، من خلال قصة، كشف له عن خطرها، لئلا تخدعه براءتها، ودلّه على الرمز الذي استخدمه الكاتب لإيهان عزيمة الأمة. لم تضِع وساوسه هباءً، عثر على المؤامرة الكامنة في قصة “الفجر” لكاتبها: أحمد حمد الحمود. أولًا الرمز الذي اعتمده القاص أحال الأدبي إلى سياسي. لذلك، كان الإبلاغ عنه مخابراتيًا لا أدبيًا. ثانيًا، القصة تحرض على القيام بانقلاب، ماذا يكون الانقلاب إلا عسكريًا، وتحريك قوات مسلحة؟ ما الذي سيسبقها؟ طبعًا، اجتماعات تآمرية، وراءها جهات أجنبية”.

“عبر أسلوب من السخرية يتطرق الروائي حداد إلى العالم السياسي والعالم الأدبي في انعكاسات كل منهما على الآخر”

وتبلغ الكوميديا السوداء المدى القادر على تجسيد الواقع السياسي السوري بطريقة ساخرة، وقلب معايير الصواب والخطأ السياسي والعقلي، مما يذكر بحوارات الحق والضلال في واحدة من بواكير الأعمال الكوميدية في التاريخ الإغريقي، وهي مسرحية “السحب” لأريستوفانيس: “نحن نبني نظامًا جديدًا في العالم، نقدم مثالًا لا نظير له، ليس جمهوريًّا ولا ملكيًّا، لا رأسماليًّا ولا اشتراكيًّا. إذا كان سيشرّش في كوكبنا فلأنه يرنو إلى عالم نهائي، رؤساء الدول يرغبون في نسج صنو لنظامنا، ويتمنون اعتماد الوراثة حلًا لمهزلة الديمقراطية والانتخابات وتداول السلطة. النظام باقٍ، النظام أبدي. تمتم مؤكدًا”.
وتدخلنا رواية “جمهورية الظلام” في دهاليز الرقابة الأمنية على الأدب في الأنظمة الشمولية، حيث الجميع يراقب الجميع: “ألقى الرئيس على عاتقهم مسؤولية الأدب، فتشدد الرفاق الرقباء على الرفاق الأدباء، مع أنهم أدباء مثلهم، لكن الرقابة أمانة، قرأوا ما بين السطور وما تحتها وما خلفها. فأسقط في يد الكتاب المشاغبين، مهما تفننوا في المراوغة. وتحايلوا على المسكوت عنه، فالرفاق الرقباء بالمرصاد لهم”.

بين الكوميديا والالتزام السياسي
يجري في رواية “جمهورية الظلام” تأسيس فرع أمني جديد خاص بالأدب، وهو ربما يحيل إلى الواقع الأمني في سورية، وتركيز الاهتمام على مجال الاعلام والثقافة والفكر: “التسريبات حددت أولًا، زبائن الفرع الجديد: المثقفون. سيقتصر زبائن الفرع على مثقفين ما زالوا في البلد، وإن كان المطلوبون منهم خارجه. التسريب اللاحق كان أكثر غرابة مما سبقه، لم يأت على ذكر المثقفين من السياسيين المعارضين المزعجين، أو غير المزعجين، إنما وبالتحديد، المثقفين من الأدباء الذين يكتبون الروايات والقصص والأشعار”. وهنا تتطور في الرواية الأسئلة السياسية في العلاقة بين الأدب والسلطة، ليس فقط خلال المرحلة الممتدة من 2011 وحتى الآن، بل أيضًا تشمل لمحات من تاريخ العلاقة بين الأدب والسلطة في سورية: “ما يجب معرفته، ووضعه في الأذهان، أن الأدب ليس استثناء في المعركة، ولا على الهامش، يجب تجييره لصالحنا، قبل أن يصبح خطرًا علينا، السؤال الجوهري الذي يجب طرحه الآن: هل الأدب مع النظام، أم ضده؟”.
ينقل الروائي حداد عبر النص الروائي أسئلته الذاتية إلى أسئلة الشخصيات، فتتكرر رغبة الشخصيات التخييلية في كتابة الرواية، وتسرد حكاية هذه الشخصية الراغبة في كتابة رواية موضوعات العلاقة بين الكتابة والإبداع، وتربط الرواية بين مشاريع الشخصية الروائية، وبين الأسئلة السياسية والاجتماعية السورية، فترتبط روايتها الأولى بإخفاق الحكم العسكري في سورية: “تجربته الروائية الأولى أخطأت حساباتها، فأخفقت مثلما أخفقت ثورة العسكر، التي لم تخف دعوتها الزائفة لعدالة كانت في حقيقتها”. وترتبط المحاولة الروائية الثانية بأدب الثورة: “ما زالت الثورة نقطة ضعفه، إذا كانت حقيقية، فهي ضمانة سيره في ركاب التاريخ. نازعته نفسه ليلعب دورًا ما بين صفوفها، فطمح إلى كتابة رواية الثورة، تعويضًا عن الرواية التي لم يستطع كتابتها”.

ضحايا القمع روائيًا
كما في أعماله الأدبية الأخرى، تنشغل “جمهورية الظلام” بالواقع السياسي السوري، من قمع وعنف وأساليب التعذيب والفساد السياسي، وتحتل موضوعة الاغتصاب، كمنهج استعمل في سورية بكثرة في السنوات الأخيرة، مركزًا أساسيًا في الرواية: “الاغتصاب أحرز نتائج جيدة باستخدامه في التحقيقات”.

“تحفل الرواية بحكايات متعلقة بأثر الحروب على المجتمع وعلى التفكير الفردي والجمعي”

وحسب ادعاء الفروع، “أفشل ذلك عمليات إرهابية للمسلحين، وكشف محاولة لاغتيال الرئيس وعدد من الضباط الكبار. باتت حجة السكوت عنه ليس حساسيته، بل في التشجيع عليه، وجرى التواطؤ على أنه كان مفيدًا، مع أن أحدًا لم يعرف ما فائدته”. وكذلك تحفل الرواية بحكايات متعلقة بأثر الحروب على المجتمع وعلى التفكير الفردي والجمعي، فحكاية الشاب المنذور للموت لكثرة ما استشهد من عائلته في حروب المنطقة، والتي تروى بسخرية سوداء، تعكس في الوقت نفسه حكاية عائلات عرفت الحرب والخسارات والموت بشكل مستمر طيلة السنوات الماضية: “كان وحيدها الذي بقي لها بعد استشهاد الأب في حرب 73، واستشهاد الابن الأكبر في الحرب اللبنانية، وابنها الثاني في مداهمة لأحد أوكار الإخوان المسلمين، وابنها الثالث بتدهور سيارته قبل ثلاثة أعوام، بينما كان في مهمة أمنية. ولد ورغبته في القتال حتى الموت لا تتوافر إلا في الجبهة، كما أن الحزن لم يفلته، لازمه الحنين إلى الموت، كأنه كان ميتًا وجاء إلى الحياة رغمًا عنه، أو بمحض الخطأ، وإن حاول إقناع أمه بأن الشهادة كُتبت له وهي حامل به”. وكذلك، تهدس روايات فواز حداد بتحليل المصطلحات الحاضرة في الحياة السياسية السورية في أسلوب خلخلخة المقدسات، كما هي الحال مع مفهومي “الخلود والأبد”: “خلخل المهندس الحالة الحصرية لوصفة الخلود والأبد، إنها وإن حجزت لأب، ورثها الابن مع الرئاسة، ولا يجوز اللعب بها، لئلا يظن أن الابن يغار من أبيه الراحل ويزاحمه عليها”.
وتذكرنا الحكاية الروائية بعنوان “التشبيح الجنسي كتيبة المنتقمات” بعوالم المبالغة الهزلية، الـ Farce، الذي عرف كنوع مسرحي منحدر أيضًا من الكوميديا، وكما في العوالم الهزلية في مسرحية “برلمان النساء” (أريستوفانيس) تتخيل الرواية انتفاضة للنساء الناجيات من الاغتصاب لتأسيس كتيبة المنتقمات اللاتي وظفن وسائل التشبيح في الدفاع عن قضاياهن: “باتت كتيبة المنتقمات لب القصيد، والشاغل الأول لمدير الجمعية، التسامح معهن يعني تمييع التشبيح لكل من هبت ودبت، بعدما تسيب لكل من هب ودب. وإذا كان قرار الشبيحات نابعًا من رؤوسهن، فسيتفوقن على الذكور، ويمارسن التشبيح على الشبيحة، بدلالة الأستاذ الجامعي الشبيح الذكر وما أصابه من جراح وكسور. وإنْ ترك الحبل لهن على الغارب، ولم يضبطن، فسيزرعن الانقسامات بين صفوف الشبيحة، تحصد حربًا داخلية، الانتصار فيها معقود لهن لما يمتلكنه من جاذبية وإغراء يفلان مفعول الأسلحة الخفيفة والثقيلة”.

العلاقة بين الروائي وشخصياته
تحضر في روايات مثل (“صورة الروائي”، و”المترجم الخائن”) جدلية العلاقة بين الروائي فواز حداد وشخصياته التخييلية المبتكرة في الرواية، وكذلك الأمر مع رواية “جمهورية الظلام”، فيلعب الروائي على ثلاثية: الكاتب، السارد، والمؤلف، حين يفصل في مواقع محددة من السرد بين حضوره الروائي كسارد، وحضوره الروائي كمؤلف، ليظهر في حوار متبادل عن الوجود والتخييل بينه وبين شخصياته:
“أدرك أنه سيؤلف قصة يدعي أنها من ذكرياته، أو ذكريات غيره، وكل هذا كي لا يقول شيئًا ذا بال، عقب بحنق:
ــ فسر لي على الأقل، من أنت؟
لم يلتفت إليه، كان يتهرب من الجواب. فأردف حانقًا:
ــ بصراحة، أخشى أنني أتخيلك.
ــ لا بأس، اعتبرني شخصًا متخيلًا، المهم أنك موجود.
ــ ماذا لو كان الأمر بالعكس، وكنت أنت الذي يتخيلني؟ هل تدرك ما يعنيه هذا؟ أنني لا شيء، مع أنني حقيقي أكثر منك، لا أختفي بين فترة وأخرى. أنا موجود دائمًا، بينما وجودك عابر ومؤقت”.

النص الروائي المفتوح على العالم
ويترافق هذا التلاعب السردي بين الكاتب السارد والمؤلف مع تحول الواقع في النص الروائي إلى حدث متخيل داخل المتن الروائي، ليتداخل في السرد كل من الحقيقي والمتخيل، بين الحدث الواقعي والتخيل الأدبي:
“ــ الأمر لا يخصك وحدك، بل يخصنا جميعًا، لنقل إنها مجموعة من القصص يجب تصحيحها، لماذا؟ لأن هنالك قصة كبرى تتحكم فيها، أنت لا تجهلها، إنها هذا النظام.
إذا كان سيزجه في رواية، فسيقنعه بخاطرة ما، ثم يرميه خلف ظهره، فيجد نفسه معتقلًا، بينما يظن أنه في رواية، في حين أنه في الواقع، ورأسه تائه في الخيال.
ــ دعنا نزيح الأسماء جانبًا. إذا تخفيت على اسمي، فبداعي الحرص على حياتي فلا تسعى لمعرفة من أكون.
ــ يهمني معرفة من أنت، لأكون على بينة، إذا كان ما يجري لا يزيد على رواية، فقد تصبح بديلًا من الواقع”.
تفتح هذه التقنية، أو اللعبة السردية، على أسئلة الواقع في النص الروائي، هل هو موجود؟ أم أنه مجرد حدث متخيل في ذهن المؤلف؟ وينطلق بالتوازي سؤال ما هو التخييلي، وما هو الواقعي، في متن النص الروائي؟ وكيف التلاعب بين الذاتي والسردي عند المؤلف؟ كل ذلك تقنيات سردية نموذجية لإعادة قراءة العلاقة بين الواقع من جهة، والنص الروائي من جهة أخرى، وخصوصًا من خلال منظور الراهن السياسي والاجتماعي والثقافي للمجتمع الذي تتناوله:
“ــ أخشى أن لا معنى لما يدور بيننا سوى ما تجود به رواية أنت تختلقها، وتحشرني فيها. لا أود أن أكون مادة لها، مجرد التفكير في أي قالب سأوضع فيه، مأساويًا أو كوميديًا أو ميلودراميًا، سيحيل حياتي إلى فجيعة، أو مهزلة، ما يجعلن أحس بمدى الجور الذي أقحمت فيه. ليس ثمة ما يعادل حقيقتي، لا أريد لفواز حداد، ولا غيره مصادرة حياتي لحساب ما يكتبه.
ــ إن ظننت ما يجري يمت إلى الخيال، فماذا عن الحرب والرئاسة والإدارة، ولا تنس الفرع 650، وصاحبك المقدم، والمخابرات والمخبرين ومستشفيات الانتقام وزبانية التعذيب، والإعدام وقطع الرؤوس وملايين الضحايا والشهداء والنازحين والمُهجرين وآلاف المعتقلين المفقودين؟ إذا اعتقدت أنك تتوهمها، فهل كان كل هذا الموت والدمار متخيلًا؟”.