للكاتب اليوناني الساخر أريستوفان مسرحية حول النساء والحرب، تتلخص بأن الأثينية ليستراتا دعت مجموعة من نساء أثينا وإسبارطة ومختلف الدويلات الإغريقية إلى اجتماع للبحث في قضية السلام بين المملكتين المتحاربتين.
كانت خطة ليستراتا تقترح على النساء إعلان الإضراب بامتناعهن عن معاشرة أزواجهن وعشاقهن إلى حين عقد هدنة بين محاربي المدينتين الذين لم يفتروا عن القتال طوال حياتهم، فهم غالباً خارج المنزل يتحاربون أو يحاربون الممالك المجاورة. بعد التردد اتفقن جميعاً على هذا الشرط القاسي، وقمن بثورة واستولين على “الأكروبوليس” وأجبرن الرجال على عقد هدنة لتعيش المملكتان في سلام.

الأَولى أن تخطر هذه الفكرة لزوجات المتحاربين في العالم، خاصة الدول التي تشهد حرباً مستعرة مثل سورية، فالفرص متاحة أمام النساء السوريات بالالتقاء على صفحات فيسبوك وبث شجونهن وحكاية مآسيهن، وتبادل صور شهدائهن، أكثرهم شبان في زهرة العمر، ووروا تحت الثرى، وتركوا وراءهم أمهات ثكالى، وأخوات مكلومات، وزوجات متفجعات، وحبيبات في مقتبل العمر، يعفرن وجوههن بالتراب ويشددن شعورهن، ويلطمن متحسرات على خسارة لا تعوضها الانتصارات. حكايات ستسطر بالدماء والعبرات. لا يدرك مأساة المرأة إلا المرأة.

” على الرغم من سذاجة الفكرة فالواقع ينشدها”

وقد يحتاج التشاور بينهن إلى إجراء المزيد من الاتصالات، وهو متوافر بوساطة “فايبر” و”واتس آب” وغيرها… ما يسهّل عقد اتفاقيات وخطط تنقذ الوطن أيضاً، وتوقف حرباً دخلت عامها السادس بلا جدوى إلا المزيد من المصائب، فلا عائلة إلا وفقدت عزيزاً؛ أباً أو أخاً أو ابناً. عدا عن عائلات بكاملها دفنت تحت الركام بفعل القصف. فالحرب العشوائية، قدّمت الكثير من الشواهد على أهوال مجرّد تذكرها يثير الآلام، تدفع النساء كلفتها الأكبر، وكانت عبثاً، فلا الحرب انتهت، ولا يبدو أن لها نهاية. حرب لا تدور بين بلدين متجاورين بل بين إخوة، فرّق بينهم نظام غاشم يسعى إلى البقاء في السلطة بالحديد والنار، لم يتورّع عن استقدام دولتين لتسهما بالمزيد من القتل بالطائرات والمليشيات الحاقدة.

لن تقلّ هذه المأساة الدائرة الآن عن مأساوية التراجيديات اليونانية، فهذه الجموع البائسة من الثكالى والأرامل، يشكلن كورساً هائلاً من ملايين النائحات والنادبات، وقد يغرقن الوطن بدموعهن. بيد أن ما جرى من تحولات خلال السنوات السابقة، يفوق حروب أثينا وإسبارطة، فالطغيان غير غافل عما يمكن ان تحدثه عواطف النساء، ولن يدعها تهزمه أو تحبط عزيمته، ففتيات المدارس وطالبات الجامعة وقعن في شرك غواية مهنة الموت، وتطوعن قناصات وجنديات يحملن السلاح يقتلن مثل الرجال، بينما أخواتهن السوريات هُجّرن من منازلهن، وأصبحن نازحات ولاجئات في أرجاء العالم، يعشن على المساعدات، يبحثن عن أولادهن ولا يدرين ما حلّ بأزواجهن.

على الرغم من سذاجة الفكرة، الواقع ينشدها، بوسع المرأة أن تثور، فإذا كانت واهبة الحياة، فلن تهب الموت، ومشاركتها في الحرب شر عظيم، إنها قتل للحياة.