في الأسبوع الماضي، كان عنوان أحد المقالات في جريدة “ديلي تلغراف”: “للأسف، لا يمكن للغرب إيقاف المعاناة في سوريا”. العنوان وحده يلخّص موقف الغرب من المحنة السورية، لكن من دون أي أسف، بعدما برهن عليه طوال ثلاث سنوات بتصريحاته النارية وتهديداته القاطعة المتقّلبة، حتى أصبحت المأساة السورية مطية للانتهازية بأحط صورها. وكان تأييده للحريات مسايرة للربيع العربي، وتراجعاته المتدرجة انسجاماً مع مصالحه، من التدخل العسكري إلى التزويد بالأسلحة الفتاكة، وغير الفتاكة، والمساعدات الإنسانية والمخابراتية، مروراً بالحظر الجوي والممرّات الآمنة، إلى التدريب على القتال، ومن بعده التدريب على التفاوض، واستقبال اللاجئين الهاربين من الموت، بأعداد رمزية، ثم عدم القدرة على المطالبة بالسماح بالأعمال الإغاثية، أو تمرير الطعام للمناطق المحاصرة، بينما أرقام الموتى جوعاً في تصاعد… ما يدفع إلى الاعتقاد أنه من المحبّذ قتل الشعب السوري، بالمماطلة، لا لأنه يطلب الحرية، بل لأنه مكروه، وليس لسبب واضح، لكن كان لكل شيء سبب.

ولكي لا يشذّ العنوان عن الواقع، من الممكن تعديله على الشكل التالي: “المؤسف أنه يمكن للغرب إيقاف المعاناة في سورية، لكنه لا يرى ضرورة لذلك”. ولكي نتفهّم تلك السلسلة اللامجدية من اللافعل الغربي، ووضعها في مكانها المجدي، بما حققته من إنجاز، نستطيع القول إنها أفلحت في مدّ عمرالحرب، حتى بدا بعد ثلاث سنوات أنها ستُعمّر.

تَرشُح يومياً قصص مرعبة عن الحرب السورية، وهي حرب بلا موانع ولا محظورات، حتى أن الخطوط الحمراء المتفق على أنها حمراء بدلالة اسمها، والتي حذرت أمريكا مراراً من اختراقها، ظهر أنه من الممكن التلاعب بها، وتغيير لونها، وتحويله إلى ضده. تُروى القصص بألسنة أصحابها، وهي قصص باتت كثيرة ومعروفة، ليس من فرط تكرارها، بل من فرط حدوثها، على نحو من الوحشية لا يصدّق، ودائماً متشابهة، فالجرائم في النهاية تتشابه، الهمجية تسبغ عليها طابعاً موحداً، ما دام أن سمة مشتركة تجمع بينها: مجرمون مختلّو العقل ومنحرفون بالغو العنف، يتفنّنون في ارتكابها، وقد نقول يتعيّشون على الدماء، ليس على نمط أفلام مصاصي الدماء، بل على نحو متفرّد: قطع الرؤوس، لا تتفوق على الخيال الإجرامي السينمائي، لكنها مفرطة القسوة في حرب مفتوحة على جميع الفظاعات. حسب معلّقين وصحافيين غربيين، لا يمكن للعقل استيعابها. السوريون أيضاً لا يستوعبونها، لكنهم يعيشونها يومياً.

بشاعة ما يحدث أثار غضب الغرب، لكنه لم يحرّك ضميره، فهو لا يحتكم إلى العاطفة. العقل الغربي، عقل محنّك، يتجنّب في أحكامه زلل تبدلات المزاج، أسباب الكثير من الأخطاء السياسية، ترتبط فضائحهم الجنسية بالغواية، التي على علاقة بالعاطفة والسياسة، لا بالأخلاق. ترى بأي منظار يرون المأساة السورية؟ القتلى بمئات الآلاف، المشوّهون والمعاقون واللاجئون والنازحون بالملايين وإلى تصاعد. أطفال دير الزور معرّضون لشلل الأطفال، أرياف دمشق وحلب ومخيم اليرموك محاصرة، الأهالي يموتون من الجوع. المجتمع الدولي ليس منقسماً كما نتصوّر، إذا كان الروس يعارضون تزويد الأهالي المحاصرين بالخبز، فالغرب وقف مكتوف اليدين!!

الكارثة السورية تمثل فاجعة إنسانية بالمعنى المتكامل للكلمة، في ما خلّفته من دمار وخراب للمدن والأرياف وللبنية التحتية. وما سبّبته من آلام مروعة. الفضيحة أنها تحدث في القرن الحادي والعشرين. لم يطلب الشعب السوري من المجتمع الدولي أكثر من: أوقفوا هذه الحرب. وكان من الممكن إيقافها، لكن التحالفات الدولية أرادت استغلالها.

الغرب على معرفة وثيقة بما يجري في سورية، بشكل دقيق وبالتفاصيل، عدد كبير من المنظمات الإنسانية المستقلة والتابعة للأمم المتحدة، توثق ما يجري فيها من انتهاكات إنسانية، هذا لا يجعلنا نعيد النظر في العقل، وإنما في طرائق تفعيله، الطريقة الغربية أثبتت أنها تُغَيبه، إن لم تلغيه.