تتلخص الكتابة حسب بعضهم، في أن يُحسن الكاتب -وهذا على سبيل المثال- إدارة عناصر الرواية بحيث لا يغفل إحداها، فلا يشتط حدث على حدث إلا بمقدار أهميته، ولا عنصر على عنصر، إلا وفق حجم تأثيره، وألا تأخذ شخصية حيزاً أكبر من قدراتها. كذلك عدم ضخ مادة، ولو كانت ممتعة أو فكرية، تثقل الرواية، وأيضاً توخي عدم الإثارة من دون مردود يوازيها، بحيث يعطلها. التنويع بلا جدوى، لا يزيد العمل جودة بقدر ما يفقره، وينقص من قيمته.
المقدرة الحقيقية لا تحصد نتائجها إلا في اختيار العناصر الأكثر تعبيراً عن رؤية الكاتب. عملية ليست بهذه البساطة، إذ وبدقة أكبر، الأكثر تعبيراً لا يخضع للاختيار أحياناً. عملية الكتابة، لا تمنح الكاتب الحرية بقدر ما ترغمه على خيارات تبدو أنها لا تتلاءم مع أغراضه، تفرضها العملية الروائية التي تجهد بآلية ذاتية في تحقيق الانسجام بين عناصر الرواية، يحاول الكاتب التوفيق بين ما يدور في ذهنه وما اعترضه.
تبدو المقدمة السابقة، وإن كانت تفتقد للوضوح، من متاعب مهنة لا تكف عن اجتراح المعوقات، على أمل أن تخفي أسرارها بتعقيدها، لكنها تبقى دليلاً إلى عمل قد يمتلك من مقومات النجاح، ما يجعله يجتاز الامتحان بلا أخطاء فاحشة.
“التدخل عملية تمتلك من العفوية، ما قد يدفعنا إلى الظن أنها تتعارض مع الرواية “
للأسف ليست الكتابة على هذا القدر المضمون من العمليات المبرمجة والمحسوبة، وإلا لأفلحت مشاغل تعليم الكتابة، في إنتاج روايات معلبة حسب أفضل المواصفات، يُعتمد عليها في تصدير الروائيين إلى القراء، طالما هناك منهاج لا يقبل الزلل إذا اتبع بحذافيره.
لا تكتب الرواية تبعاً لمخطط مسبق، الكثير من الروايات التي تكتب على هذه الشاكلة، ليست أكثر من تنفيذ مخطط، كلما تقيّدت به، لا تترك فرصة لمصادفات الكتابة -الأشبه بعبث الحياة- تأتي على مخطط الكاتب، فالحياة تتدخل، رغماً عنه؛ ما ينقل الرواية إلى واقع تتحكم فيه قوى ليست مجهولة، بل معروفة، يتوالد من صراعاتها إمداد الرواية بما ينقصها، ما يحفز حتى هؤلاء الذين يتعثرون داخلها، ربما للنهوض من جديد، أو التواري إلى حد التلاشي.
التدخل عملية تمتلك من العفوية، ما قد يدفعنا إلى الظن أنها تتعارض مع الرواية، أو أنها تلغيها، بينما هي تنقذها من الركود أو الافتعال. قد تبدو في انزياحها عمّا يعتقد أنه محور العمل خراب لمعماره؛ هنا علينا أن نؤمن بالإحساس، فهذه الأشياء لا تقاس، وإن كانت السر الدفين وراء كل عمل يرضي صاحبه. ولو كان لا يدركه بالفعل.
أخيراً، لا يمكن لكاتب، أن يكتب شيئاً مؤثراً، إن لم يتحل ببعض النضج، وعلى معرفة ببديهيات الحياة المؤلمة، وما لا يستغنى عنه من الثقافة، أما عن المقادير فتختلف من كاتب لآخر، إذ ما ينقص هذا، لا ينقص ذاك. أما إدارة الرواية، فسوف تدير الرواية نفسها.
-
المصدر :
- العربي الجديد