فات النظام السوري في غمرة بقائه المحموم في السلطة، أن عدوّه داعش لا الشعب، ليس هذا من قصر النظر، بل جراء عقلية تنحو إلى الاستئثار بالسلطة. اعتبر كل من له الحق في مساءلته، ليس شريكه في الوطن، ويتحتم إلغاؤه من أية معادلة سياسية، فحاز الشعب قصب السبق من عداوته.
لم يُخف النظام استعداده للتعاون مع الشيطان للتخلّص من الاحتجاجات الشعبية، إلا بتصعيد الردّ إلى الحدود القصوى، أحدها، ترك داعش تسهم بدمويتها في إرهاب الناس، فاضطروا إلى اللجوء لمن يخلّصهم من جرائمها، ولم يستثنوا النظام الذي لم تكن جرائمه أقل، كانت أكثر وأوسع لا تقف عند حدود. قد تظنّ الأنظمة أنها المنقذ الجبار، وهذا ليس ببعيد عنها، فالمخطّط هو الاستفادة من جرائم داعش، وها هو الشعب يذوق الأمرّين، ويكفر بالحرية والثورة والإسلام معاً .
تصنع سياسات حافة الهاوية المصائب التي تحيق بأبطالها الملهمين الذين يعتقدون ألا بديل
لهم، فلا يرون أبعد من بقائهم في السلطة، فيضعون البلاد في قلب الخطر. خطر داعش الداهم، لم يكن مفاجئاً، أعلنت عنه مراراً وتكراراً، فهي دولة العراق والشام، وأكدته بجرأتها الضاربة بجميع الاعتبارات السياسية والدينية، ولم توفّر السوريين من تأويلاتها العقابية المتشدّدة، المستنكرة من الناس البسطاء المتدينين وغير المتدينين، بموجب أشد الفتاوى انحرافاً، وتطبيقاتها الأشد وحشية، قطع يد السارق، وأصابع المدخنين، صلب المخالف، واعتقال الناشط العلماني، والناشط الإغاثي، وإحالتهم إلى المحاكم الشرعية لمجرد الشبهة في التدين، والإعدامات بالمفرق والجملة. لم ينج منها المسلمون الذين يفهمون دينهم على أنه دين الرحمة، لا القتل. قائمة انتهاكاتها، لا تعد ولا تحصى.
مع هذا اختلقت بيئات حاضنة، بفعل انسداد الأفق السياسي سواء في العراق أو سورية، بلغ تعنّت المالكي في سبيل تصفية خصومه السياسيين أنه وصمهم بالإرهاب، بينما الإرهاب الداعشي يستفحل. كذلك ابتلي السوريون بهم، مع الكارثة المستمرّة منذ ثلاث سنوات ونصف، عايشوا أوضاعاً تمت إلى عالم الرعب الخالص. بينما كان النظام بالاستنكاف عن محاربتها، قد شجّعها على احتلال المناطق المحرّرة، وترك الحبل لها على الغارب، فاستولت على النفط واستغلّته. تفاهم النظام معها على اقتسام عائداته، بينما رفض التفاهم مع المعارضة على طاولة المفاوضات في جينيف.
الاعتقاد، وربما ما زال، أن الغرب سيطلب من النظام فيما بعد التخلّص من داعش مع مكافأة ثمينة، الاعتراف به مقاتلاً ضد الإرهاب، وهذا ليس مستبعداً. الغرب لا تهمّه الحرب الدائرة في سورية، ولا من سينتصر، يهمّه أكثر ألا تتوقف، مادام أن الأطراف يقتلون بعضهم بعضاً ويستنزفون حزب الله وإيران. فالغرب لم يلتفت جدياً إلى خطر داعش، بل اتّخذها مبرّراً لعدم تزويد المعارضة بالسلاح، لئلا تصل إلى أيدي جماعات إسلامية متطرّفة. بينما كان تسليح المعارضة سيساعد على الحد من خطرها، مع العلم أن داعش لا ينقصها السلاح الثقيل ولا الحديث!
في الأساطير هناك وحش خرافي يلتهم كل ما يقع في طريقه من الأحياء. في بلاد الشام، الواقع أمرّ وأدهى، الوحش داعش يلتهم البشر والمدن، لا ضمانة أن الوحش سيتوقف عند أبواب الأنظمة ولا يمسّها بسوء. المناورات الذكية لا تربح الجولات كلها، والواقع ليس أسير مخطّطات المخابرات. الأنظمة التي أسهمت بتوليد الإرهاب، وهادنته وساومته جاء دورها، نفد عهد السلام المتبادل، الذي جرى التواطؤ عليه. والغرب سيتضرّر أكثر مما يتصوّر على غفلته التي كانت عن سابق تصور وتصميم.
إذا بقي الحال هكذا، فالشعوب أكثر المتضرّرين، سيحلّ محل الأنظمة الفاسدة، أنظمة لا تقلّ عنها إجراماً. وربما اقترب اليوم الذي أوشكنا فيه على أن نصبح من مواطني داعش. ولم يعد من قبيل التنبؤ، في حال رحيل النظام، العيش تحت ظلال الخلافة الداعشية.
-
المصدر :
- المدن