“التاريخ والرواية”هذا المصطلح النقدي الرائج في النقد الروائي العربي اليوم، يعدّ فواز حداد أكثر المشتغلين عليه في التاريخ السوري المعاصر، أكثر من١٥ رواية تعنى بهذا التاريخ المعاصر قدمها فواز حداد منذ تسعينيات القرن العشرين وحتى اليوم، حتى لكأننا أمام لوحة بانورامية واسعة للتاريخ والتخييل والأحداث والشخصيات، هكذا يتبدى نتاج حداد الروائي الدمشقي المولود عام 1947، والحاصل على إجازة في الحقوق من جامعة دمشق، والباحث الذي كتب الدراسة والمقال وأبدع فيهما أيضا.
بمناسبة صدور روايته الجديدة (يوم الحساب) 2021 صحيفة (أورينت نت) كان لها هذا الحوارمعه، منطقلين من أدب الحرب، والأثر الذي سيتركه على الأدب السوري الذي يعدّ فواز حداد أبرز روائييه اليوم.
عمل مربك ومعقد
س: بدايةً حدثنا عن القواعد الأساسية والخطوط .العامة لما يسمى”أدب الحرب” الرائج في نتاجك الروائي الأخير ونتاج الكثير من الروائيين والروائيات السوريين
– ليست هناك قواعد أساسية، وإذا كان هناك خطوط عامة، فهي ببساطة التعرض للحرب على أنها عمل غير إنساني، مع أن الحكومات القومية حاولت تزكيتها على أنها قضية دفاع عن الوطن أو استرداد أراض محتلة، وأشادت بها على أنها حرب وطنية عادلة، ومع هذا لم تغفل قسوتها من خلال فكرة الحقوق المشروعة وإعلاء شأن الضحايا على أنهم شهداء، لكن ماذا عن ضحايا الطرف الآخر؟ طبعا شهداء أيضاً. وماذا بعد المصالحات والسلام؟ الحرب عمل مر بك ومعقد ومؤلم لكلا الطرفين، المؤسف أننا استجررنا إليها وخسرناها، وكانت عادلة في صراعنا مع العدو الإسرائيلي، استثمرها نظام الأسد لغاياته، مع أنها كانت هزيمة مطلقة، ما رسّخ الدكتاتورية بدلا من أن يطيح بها.
الحرب الحالية فرضت على الشعب، لم يكن له يد فيها، ثم تحولت إلى حرب أهلية وإقليمية ودولية. هذه الحرب كتب عنها الكثير سواء بصورة توثيقية، أو ما خلفته من خراب وضحايا وتهجير وسلب ونهب، أعتقد أنها سوف تطبع نتاج الأدب السوري فترة طويلة، عشر سنوات من الحرب، ما يعادل زمن حربين عالميتين ولم تنته بعد، الحرب العالمية الأولى ما زال يكتب عنها حتى الآن: تاريخ، قصص، روايات، ذكريات، أفلام سينمائية.
في نتاجي تعرضت للحرب في سياق الثورة السورية، كتبت عنها، كان من الإجحاف وعدم الشعور بالمسؤولية عدم الكتابة عنها، نحن نعيش على وقعها. شردت الملايين من السوريين. ولقد اتخذتُ موقفاً منها، ووقفت بشكل طبيعي إلى جانب شعبي، وكنت ضد النظام، ولقد تجلى هذا في رواياتي.
متى كان الكتاب متحدين؟
س: ما هو تقييمك لنتاجك الروائي، ما له وما عليه؟
– لا يمكن لروائي تقييم نتاجه إلا باعطائه قيمة مبالغا بها، لن يتقول عليه، أو يحاكمه، قد يمنحه آفاقاً ودلائل وعمقاً ويحمّله ما لا يحتمل، ويبرز أهمية ربما لا يراها غيره، كما لن يكون ناقدا منصفا إزاءه. الملاحظ أن القارئ الذي يستمع للكاتب وهو يستعرض روايته، سيظنها كما قرظها كاتبها، لكن عندما يقرؤها، ستكون رواية غير التي سمع عنها. بالمناسبة، أنا لا أعرف كيف أتكلم عن رواياتي، بالتالي لا أستطيع تقييمها. ما أعرفه، أنني راضٍ عن كل ما كتبته.
س: ما رأيك في القول الذي يقول إن الأدب تمرد على الثوابت… والحرية من أهم شروط النتاج الروائي، كيف تجمع بين الحرية والالتزام الأخلاقي؟
– الأدب بالضرورة متمرد، لا يقبل بالأمر الواقع، ولا بالسلطات، لذلك تضعه الأنظمة تحت الرقابة، ولو كان تحت غطاء اتحاد الكتاب كما في سوريا. أصلا لماذا يراقب الكتاب بعضهم بعضا؟ ثم متى كان الكتاب متحدين ليكون هناك اتحاد يجمعهم؟ الطبيعي أن يكونوا متفرقين، ما دام كل منهم يكتب وحده، لكن المطلوب توحيد الكتابة، هذه بعض الثوابت التي تحجر على حرية الكاتب، من دون حرية لا كتابة، الكتابة لا تخضع للممنوعات، البوصلة هي ضمير الكاتب.
كما لا حرية من دون التزام أخلاقي، ولا يقصد به الالتزام السياسي قطعا. إذ لا حرية طليقة، بل حرية تلتزم بالإنسان ما دمنا بشرا، نعيش على هذا الكوكب. كلما تمتع الكاتب بالمزيد من الحرية، كان أكثر مسؤولية تجاه الناس ومشاكسا للسلطة، مع موقف انتقادي من المجتمع.
الروائي في مواجهة العالم
س: قطعتَ شوطاً كببراً في مجال الرواية والنقد، برأيك ما هي مواصفات الروائي الحداثي؟
لا تضيف الحداثة إلا تعقيدا على رؤية الكاتب، وليس من الغريب أن نجدها لدى بروست ودوستوفسكي وسرفانتس وجيد وتولستوي…. هؤلاء الكتاب الكبار أكثر حداثة، مما يبتدع اليوم، ما يعيدنا إلى التسيب في استخدام المصطلحات، وكأننا في عصر نهضة آخر من دون نهضة. ليس هناك مواصفات معتمدة للحداثي، أو لما قبل الحداثي. هناك الروائي في مواجهة العالم. كيف ينظر إلى البشر ويخوض في إشكالاتهم الصغيرة أو الكبيرة، في عوالمهم وقضاياهم الكبرى والصغرى، كلها تتساوى لحظة الكتابة، وذلك بالخوض في بحر مترامي الأطراف؛ الذات والآخر، الحب والكراهية، الحرب، الموت، السلام…. ما أكثر مهمات الروائي، إنه مسؤول كما يبدو عن كل شيء، هذا قدره، طالما يتحرك على رقعة واسعة بلا حدود.
• كيف تختار القصة الجديرة أن تروى في السرد الروائي، وهل هي بالضرورة تعبر عن شيء حقيقي في الحياة؟
الكاتب لا يختار القصة، القصة هي التي تختاره، ما يجذب كاتباً لا يجذب كاتباً آخر، إنها قضية مؤثر، ما يخلق دافعاً للكتابة، ويحرض عليها. طبعا لن يتقيد بالحادثة نفسها، لكنها تشرع أبوابها لاحتمالات قد لا تحصى. إنها منبه يستثير مخزون الكاتب من أفكار وشخصيات وحوادث تذهب إلى الماضي، تستقي من الذاكرة إيحاءاتها ومدلولاتها، وسواء عاد الكاتب إلى التاريخ أو لبث في الحاضر، أو ذهب إلى المستقبل، فدائما تُستقى من الحياة، وإذا فكرنا جيدا، نجد أن الحياة التي لم نصنعها، تومئ إلى الرواية التي نحاول صنعها مما توحي لنا الحياة به. ومن فرط ما هي حقيقية تتوسل الخيال للإحاطة بها.
يتبارون لتشويه الدين
• كيف تنظر للتحيز المذهبي والفكري ضد الإسلاميين في بعض النتاج الروائي السوري؟
إنه تحيز ضد الإسلام بالذات ومحاولة النيل منه، وإن بدا ضد الإسلاميين، من ناحية اعتبارهم أنهم يمثلون الإسلام النهائي المعتمد في العالم كله، من دون الأخذ بالاعتبار أننا إذا اختلفنا مع الإسلاميين فنحن نختلف مع تفسير محدد للإسلام، وليس الإسلام نفسه. لقد صادفني بعض هؤلاء الذين يكتبون عن الإرهاب باعتباره نتاجاً إسلامياً، ويتبارون لتشويه الدين عن عمد، وكأن العلمانية تبيح لهم هذا النوع من التقدم الحضاري، لكنه تقدم نحو الخلافات والانقسامات. أما التحيز، فهو تحيز سياسي، ويبدو مفهوما لأنه مجير لدول تطمح إلى إمبراطوريات تستغل المذهبية لاستعادة زمن مضى، لتكريس حاضر متخلف.
-
المصدر :
- أورينت نت