الحب وهمٌ، يشبه الأوهام الأخرى، ويتميّز عنها بأنه وهم حارّ؛ هذا ما يدّعيه الأدب. أما الحب العاصف فهو مرضٌ، أحياناً يكون عُضالاً، يُضني صاحبه، وينجم عن عدم الشفاء منه، أو إخفاقه، مأساة قد تؤدي به إلى الانتحار، فالحب ولو كان يمنح بلا حساب، لا أمان له، تلك آلياته.
ومع هذا فهو ضرورة، ليس من ناحية الإنجاب أو الجنس، ولا التكامل أو التقارب، وإنما لأنه يدخل في مفاصل نظرتنا إلى الحياة، بحيث يبدو للبعض وربما للكثيرين أن لا طعم للعيش من دونه، ويحال إليه حب الأولاد والأم والأب.
مع أن أغلب الناس ينصبّ اهتمامهم على الحب بين الرجل والمرأة، وهو من أكثر أنواع الحب شيوعاً وانتشاراً ورعونة ومأساوية، ومثلما هو قابل للإخلاص والوفاء والتضحية، نجد أنه أكثر قابلية للتقلب والطيش والتطرف، والذهاب إلى الجريمة، وما أكثر جرائمه، وإن وصفت بما يخفف من وقع أهوالها بـ “جرائم العاطفة”، حتى العواطف لا تخلو من جريمة مستنكرة.
” الحب عطاء وأخذ؛ هذا ليس سرّه، إنه قانون”
نادراً ما يستمر الحب، دوامه يعتمد على طرفين، لذلك يصعب المحافظة والإبقاء عليه حياً لا يتماوت إلى حد الزوال، وللإنصاف قد ينقلب أحياناً إلى كراهية جامحة، فهو ليس عصياً على النكبات، طالما من الممكن التنكر له. وإذا استمر فمن طرف واحد، يقبل بأن يكون مغبوناً وسعيداً بغرامه اللامجدي، لكن الحب عطاء وأخذ. هذا ليس سرّه، إنه قانون.
ومن الغريب أن الحب، تلك العاطفة الرقيقة، هو الأكثر تعرّضاً للخيانة والغدر والخديعة. كيف لهذه العاطفة الجميلة الوقوع في شرك كل هذه الشرور، وأن تكون الأكثر احتواء واستعداداً لها؟
المصالح الأنانية تقتل الحب، لذا من الطبيعي التشكيك فيه، والتساؤل عن مدى سموه، ولو أنه يجد إقبالاً جارفاً في أوساط الأدب، فهو مادة الشعر المتوارثة، كأنما خلقت له، تكتب عنه القصص والروايات، وقلما يخلو منه فيلم أو مسرحية.
وإذا كان أكذوبة، فمن فرط ما يتداول، أصبح حقيقة محببة إلى النفوس، يتواطأ الكثيرون عليها، فالحب لعبة الرجل والمرأة، تخفّف عنهم ضغوط الحياة السقيمة، وإن جعلتها أكثر كلفة.
يتحايل البشر على صروف الدهر، بصروف الدهر، الحب من جنسها. وهو الأكثر تضليلاً، وإذا أدركنا مخاطره، فهذا لا يعني أن الوقاية منه ممكنة، نحن أول من نخدع أنفسنا به.
تلك قصة الإنسان الغريبة ليس مع الآخر، بقدر ما تعنيه بالذات. قبل أن يخدعه الآخر يتولى خداع نفسه، فيتصوّره عالماً من السحر الخالص، يتحوّل فيه الآخر إلى ما يطمح إليه، بينما هو خال منه.
أعجوبة الحب مثل أعجوبة الحياة، ومثلما تغرّر بنا الحياة، يغرّر الرجل بالمرأة، والمرأة بالرجل، لا أحد بريء من أفعاله، لكن عند الحساب، كلاهما مغبونان. هناك الكثيرون ينجون من الحب لأنهم لا يعرفونه، ويعتبرون أنفسهم محظوظين، لكن في فقدانه، إفقار للحياة.
-
المصدر :
- العربي الجديد