في كلمة عن السياسة في الشرق الاوسط أمام معهد كارنيغي للسلام الدولي في واشنطن، قال الوزير كيري إن “التحدي الذي نواجهه في سورية اليوم هو تحديد طريق للخروج من الجحيم”، مشيراً إلى فرصة واعدة بالحل هي اجتماع فيينا، قبل سفره إلى هناك.
يُقدر كل من كان في داخل الجحيم، أو على أطرافه، أن مصالحه عالقة فيه. إما أن يخسر كل شيء، أو يربح شيئاً ما. الأمل بالكثير هو الغالب، فالجحيم لا يعنيهم إلا بقدر ما يُستثمر، لهذا يستمر، أما الذين يحترقون، فهم السوريون.
يمكن توقع ما سيحصل في الاجتماعات القادمة حول الأزمة السورية، ولا يستثنى منها اجتماع فيينا، لن ينتج عنها شيء، طالما روسيا وإيران رعاة هذا الجحيم، لا يرغبان في اطفائه، بالتالي لن يثمر سوى الحرائق، فلا تقريب لوجهات النظر بين الأطراف، وإن قيل إنهم ذللوا بعض العقبات، ولا تقارباً سيحصل، ما دامت العقبات هي أولوية مكافحة الإرهاب، والمرحلة الانتقالية، وعقدة الأسد… الجميع يعرف أن موضوع الإرهاب، والخلاف حول المرحلة الانتقالية، والعقدة التي ليست بعقدة، ما هي إلا مبررات لاستمرار الأزمة على حالها، ريثما تجد حلاً لها في القنوات الخلفية، أو على الأرض. لاسيما وأن بوتين الممسك حالياً بمفاتيح الحل، غير مستعجل على الحل السياسي، ما دام أن الحل العسكري الروسي قد بدأ. علاقة روسيا وإيران بالنظام لم تتغير أو تتراجع، كلاهما لم يوفرا سلاحا ولا قتلاً، ولا دماراً.
طبعاً جولة المباحثات هذه ستعقبها جولات أخرى، وربما كان هناك فيينا3 وفيينا 4 إلى أن يبدلوا المدينة، لكن لا حل، إن لم يعملوا حساباً للسوريين. وهذا ما يعرفونه بشكل جيد. لم تعمل أمريكا ولا أصدقاء الشعب السوري على مساعدة السورين بشكل جدي، بينما عمل الإيرانيون على قهرهم بإرسال حزب الله ثم ميليشياتهم المذهبية، ولم يوفروا جنرالاتهم وخبراءهم وجنودهم من الموت السوري. كذلك الروس الذين اقتنعوا أخيراً بعدم الاكتفاء بالفيتو، وتزويد النظام بالسلاح، والقيام بالدفاع عنه في المجتمع الدولي، وعقد حوارات لا تجدي مع المعارضة. فكان لابد من الغزو والقصف، خاصة وأن أمريكا استدرجتهم إلى سورية. إذا كانت وجهة الإرهاب القادمة نحو بلدان روسيا الإسلامية، فلتدافع روسيا عن نفسها في سورية. مع أنه لم يكن سهلاً عليهم أن يتصدر بوتين الحرب على الارهاب، ما يعني أن ما فشلت فيه تولته روسيا التي تدخل سورية على أساس أن المجتمع الدولي أخفق في حل الازمة السورية، مع التلويح بحل سياسي ستفرضه على الجميع. ما بات نصراً دبلوماسيا لها، لكن التدخل لم يكن سياسياً كان غزوا عسكرياً، والأولوية للطيران الذي قصف الفصائل المعارضة للنظام لا “تنظيم الدولة”.
لا يعني دخول الروس إلى سورية خروج إيران منها، ليس أكثر من تقاسم الأرباح والخسائر، من قبل لم تكن القسمة عادلة، للروس حصة كبيرة تستدعي المشاركة بقوة أكبر، فكان التنسيق بينهما، ولا ضمانة الا تكون هناك خلافات بينهما حالياً او في المستقبل، فالغزاة ليسوا على وفاق كامل إلا إزاء خصومهم. ولا يمكن أيضاً البناء كثيرا على خلافاتهما، ولا على اتفاقاتهما، الحرب طويلة، رغم أنهما يبغيان تقصير أمدها باتباع استراتيجية الإبادة الروسية، ولا يمكن للإيرانيين العمل عليها، فإيران استنفدت جهودها في الحرب الاهلية والطائفية والمذهبية، وارتدت عليها بما لم تتوقعه؛ كراهية السوريين لإيران وحزب الله، ومشاركتها بحرب الإبادة، ستكون مكلفة جداً بالنسبة لسمعتها في العالم الإسلامي.
لم تخف محاولة بوتن المفاجئة استثمار الإرهاب إلى الحد الأقصى، فتحت رايته المشروعة، يطمح إلى استعادة مكانة روسيا كقطب دولي مؤثر، والقضاء على المعارضة السورية المسلحة. ما دفع أوباما على الرغم من تردده زمناً طويلاً إلى العمل على التدخل في سورية بشكل محدود، تحت ضغوط قادة الأمن القومي ودعاة التدخل في إدارته. تطلعه إلى استعادة النفوذ الأمريكي، لا يجدي إلا بتغيير مسار استراتيجيته المتجهة نحو الخروج من الشرق الأوسط، إلى العودة إليه.
يسترد الجحيم السوري تأثيره حتى على هؤلاء الذين طالما حاذروا الاقتراب منه، فهو ليس مجرد جاذبية جهنمية، صار مطية تمنح للمغامرين ذوي الآفاق الاستراتيجية مكانة دولية، وتُسقط بتجاهله عن ذوي النفوذ من الدول الكبرى نفوذهم.
ومهما كان هذا الجحيم، مستنقعاً، أزمة، احتجاجاً، انتفاضة، ثورة، ارهاباً إسلامياً، حرباً أهلية، طائفية، إقليمية، عالمية، مؤامرة كونية…. فلا خلاص لسورية المنكوبة إلا برحيل هذا النظام الشمولي الفاسد.
-
المصدر :
- المدن