من الظواهر الصحافية التي انتقلت إلى وسائل التواصل، واعتمدتها الكثير من المواقع، ظاهرة اللوائح وهي قوائم تروِّج للأحسن والأفضل والأعظم، والأكثر إمتاعاً وتشويقاً. شملت الأفلام السينمائية، والمسلسلات التلفزيونية، والرواية، والمسرح، والموسيقى. من خلال رصد ميزات لافتة، قد لا تخلو من حقيقة أو افتعال وتدليس، وطبعاً المبالغة، فمن دون مبالغة، لن تسترعي الاهتمام.

على هذا النمط أو ما يُشبهه: أعظم مائة فيلم في تاريخ السينما، وعشرُ روايات كشفت عن مآسي الإنسانية، وخمس مسرحيات تضاهي أعمال شكسبير، وأروعُ سبعة مسلسلات تأخذك إلى جحيم عصابات المافيا. هذه القوائم لا تستثني أيضاً شيئاً ممّا يُباع ويُشترى؛ الملابس والبيتزا، وأدوات المطبخ، ومسابقات محترِفي الرياضة، والتزلّج على الجليد وغيرها.

ولا ننسى أماكن اللهو والاسترخاء؛ الكازينوهات والمنتجعات، والشواطئ اللازوردية، والمصائف الفخمة، والمطاعم المشهورة، والفنادق الراقية. فعالم الرفاهية والاستهلاك، بات عالماً واسعاً بلا حدود، وكلّ هذا تضمَنُ اللوائح جودته، ما يستلزم الترويج له. في النهاية، هي إعلانات ليست بلا مقابل، بل مدفوعة الثمن، ولا يحقّ لك الاعتراض، إن لم تُرضِك، فلا تقتنِها أو لا تذهبْ إليها، إنّها مجرّد دعوة لجذب القارئ، وتحويله إلى زبون.

تستجرّنا إلى ما أصبح تقليداً سنوياً، وهو اللوائح العالمية لأبرز الشخصيات المؤثّرة، أو أكثر شخصيات العالم ثراءً. أصبحت من تقاليد العالم المتقدّم، فحضارة الغرب هي المركز، مع هذا أصبحت تُراعي دول الأطراف، فتَسرّبَ إلى اللوائح قدرٌ لا بأس به من هذه الشخصيات لا يهمّ إن كانت عن حق أو باطل. كانت من اختيار الغرب، الذي أحرز قصب السبق إلى المجد، من فرط ما بات يعجّ بالشخصيات العظيمة في مجالات الحياة كافة، من العلم إلى الفكر، يطغى عليهم رجالات السياسة، لاهتمام الصحافة اليومية ونشرات الأخبار بهم. ما يوحي بأنّ كلّ شيء على ما يُرام في عالم يمتلئ بالعظماء، ويديره السياسيون، فكم هذا العالم سعيد!

من أين جاء هذا الهوس باللوائح التي توزّع الأفضليات؟

المفارقة أن العالم تعيس، يمضي على وقع الحروب والمجاعات والأوبئة، فالقادة والسياسيون والعسكر وهم العظماء صانعو الحروب، لكنهم عاجزون عن صناعة السلام. وإذا كان ثمّة شعور بالسعادة في غمار التعاسة، فيمكن ردّه إلى انتشار المخدّرات وتجارة الرقيق الأبيض، كلتاهما تهبان النشوة، ولو كانت لا تدوم، ومتى كانت السعادة دائمة؟

على كل حال، رغم التفاؤل بهذه القوائم السنوية وأحياناً الشهرية، فالمتوقّع أن تنعكس على أحوال بلدانهم وشعوبهم، فالثراء يستجرّ الثراء، والعظَمة ترتدّ بالعظَمة، للأسف الأثرياء يتمتّعون بثرواتهم، والفقراء يرزحون تحت أعباء فقرهم، كما أن المتخمين متخَمون والجياع جائعون. أمّا العظَمة فما ينال أصحابها من رفعة، تنال من شعوبهم بفقدان الأمل. ولئلّا نبالغ بقصة العظَمة، فليست إلا نصيب الماضي، والماضي يدعو للشك.

أمّا من أين جاء هذا الهوس باللوائح التي توزّع الأفضليات التي تشكّل معيار الثروة التي تهب الأمجاد، فأصبح رؤساء الدول ينهبون شعوبهم ليكدّسوا الأموال، حتى بات من فرط انتشاره اعتقاداً سارياً: وحده يمنح المجد.

هذا الاعتقاد، مصدره الغرب، فالأثرياء أهمّ من القادة والمفكّرين، والقوائم إن لم يحتلوها كلها، فأغلبها. كنّا نعتقد بأنّ المَجد، مجدُ العلم والأدب والفكر والفن، مدعاة للفخر والصعود إلى الشهرة، وربّما إلى المجد. هذا لم يعد محبّذاً، وإن جرى التباهي ببلدان كانت موطن عبقريات، لكنها انقرضت، فالبشر ينسون. الكاشف اليوم هو الثراء، ما أنتج ظاهرة أخرى، تبدو بريئة، في لوائح مضادّة، لوائح الرثاء، عن أسوأ بلدان العالم من ناحية الأمان أو النمو والأوبئة وانخفاض التعليم، والفقر. هذه ضرورية من جانب أنها مدعاة للشماتة.

يتقاسم العالم، القوائم المتفائلة التي حافظت على تفاؤلها، والقوائم المتشائمة التي حافظت على تشاؤمها، ولا حاجة لإجراء مقارنات بينهما، فكلما ازدادت الثروات وتضخّمت الأمجاد، ابتُلي العالم الآخر، بالمزيد من الأمراض والجوع والحروب. لوائح لن تكون متوازنة، إلا بتخصيص طرف بالجمال، والآخر بالبشاعة. هذا في حال اعتقدنا أن هناك قارباً يضمّ الناجين وهم من القوائم المتفائلة، في بحر يعجُّ بالغرقى من أصحاب القوائم المتشائمة.

إذا كان البشر جميعهم في قارب واحد، ولا يمكن لهذا القارب الوصول إلى شاطئ الأمان، من دون التخلّص ممّا يزيد على نصف ركابه بالبحر، ليتمتّع الباقون بالحياة من دون سماع طلب النجدة… فالإنسانية انتهت من العالم.