في معرض إصرار روسيا وإيران حول توسيع التحالف الغربي لمحاربة الإرهاب في سوريا والعراق، حث مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين الولايات المتحدة والدول الغربية على التركيز وبشكل رئيسي على الحاجة إلى ضم الحكومة السورية في هذا الصراع المشترك. المقترح قوبل بالرفض. علق تشوركين على عدم تقبلهم للفكرة بأنه “خطأ في رأينا”.

إذا كان تشوركين يقصد بالإرهابيين “داعش” و “النصرة” نسبة إلى ما يمارسونه من جرائم تنعكس على المدنيين، فالأولى اعتبار النظام السوري المتهم بإلقاء البراميل المتفجرة على المدن والقرى السورية أعمالاً ارهابية نظراً لأرقام الضحايا، فقد قتلت 6163 مدنيا منهم 1892 طفلا منذ 22 شباط 2014 و15 كانون الثاني 2015. وألحقت أضراراً جسيمة في ما لا يقل عن 450 موقعا في درعا بالإضافة إلى أكثر من ألف في حلب.

ظهرت البراميل المتفجرة كسلاح فعال ميز الحرب الأهلية السورية التي شنها النظام على المعارضة، كسلاح بدائي قليل التكلفة، عبارة عن متفجرات وشظايا معدنية توضع فيها مواد كيميائية تحتوي على غاز الكلور السام. ينطبق عليه وصف السلاح القذر. لجأ النظام إلى استعماله على نطاق واسع عملاً بمبدأ “الأرض المحروقة”. لا يستغرق إعداده وقتاً ولا مهارات عالية. والأهم قدرته التدميرية العالية، ما سبب معاناة أكبر، مما أحدثته “داعش” والأسلحة الكيماوية. وكان من أكبر عوامل قتل وتشريد السوريين وتخريب ممتلكاتهم وإجبارهم على النزوح.

في فبراير 2014، تبنى مجلس الأمن الدولي قرارا يطالب فيه الجيش السوري، بوقف القصف العشوائي للمناطق ذات الكثافة السكانية العالية بالبراميل المتفجرة. هذا الإجراء أدى إلى انخفاض أولي في عدد السوريين الذين قتلوا نتيجة للبراميل المتفجرة، ولكن عدد القتلى والمصابين عاد للزيادة مرة أخرى من 249 إصابة في مارس 2014، إلى 511 في الشهر التالي.

رفضت سوريا قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الذي استنكر سجلها في تكتيكات القصف الجوي. قال مندوبها إن استخدام البراميل المتفجرة مسألة “فنية” لا شأن للمجلس بها، كما أنكر رأس النظام القاءها. على أن أكثر من جهة ومنظمة أكدت مسؤولية الحكومة السورية، آخرها، مبعوث الأمم المتحدة دي ميستورا في رسالة مسجلة: إن البراميل المتفجرة تلقى من طائرات الهليكوبتر والطرف الوحيد الذي يملك الطائرات الهليكوبتر هو الحكومة.

بعد النجاح الذي أحرزته واشنطن مع موسكو لتمرير قرار مجلس الأمن الدولي بشأن استخدام سوريا للأسلحة الكيماوية. يعتقد الكثير من الدول والمنظمات أن وقف البراميل المتفجرة أمر لا يقل أهمية عنها. فيليب بولوبيون، ممثل هيومان رايتس ووتش في مجلس الأمن قال: “الاختبار الحقيقي هو ما إذا كان مجلس الأمن قادر على وقف النظام السوري من استخدام البراميل المتفجرة، التي تسببت في مقتل عدد كبير من المدنيين ولم تخدم أي غرض عسكري تقريبا”.

لكن من غير الواضح ما إذا كانت روسيا سوف تدعم تحرك مجلس الأمن في فرض عقوبات على سوريا إذا استمرت في استخدام البراميل المتفجرة. عند سؤال تشوركين من قبل صحافي للتعليق حول القتل والدمار الذي أحدثته هذه الأسلحة، قال السفير الروسي ببساطة: “لسنا نحن من يلقيها” من دون ابداء الرأي حول ما إذا كانوا سيساعدون على منعها.

إذا كان هناك اتجاه جدي نحو حل الأزمة السورية، ففي محاربة الإرهاب على جميع الصعد، ولن تظهر النوايا الطيبة إلا في إنهاء غض النظر عن استخدام هذا السلاح القذر. ففي أول من أمس بدأت حملة في الأمم المتحدة لإصدار قرار للضغط على النظام السوري لوقف القاء “البراميل المتفجرة” على المدنيين. بالاستناد إلى أن النظام السوري ألقى أكثر من ألفي “برميل متفجر” منذ الشهر الماضي فقط، ما أسفر عن مقتل مئات الاشخاص.

منذ أسابيع، تتسارع المبادرات نحو إيجاد حل سياسي للأزمة السورية ومن عدة بلدان، روسيا إيران والسعودية بدعم أمريكي، ومع أن التحركات الدبلوماسية نشطة بين العواصم العربية والغربية، إضافة إلى اقتراحات دي ميستورا، فالنتائج لا ترقى لبداية معقولة لوقف الحرب. لكن ومع أن العمل على منع النظام السوري من استخدام “البراميل المتفجرة” يبدو خارج السياق، غير أنه يشكل بداية فعلية وجادة للحد من حرب باتت لا تعدو بالنسبة للنظام سوى أنها مستمرة بقتل المدنيين وارهابهم بتكلفة متدنية ودمار كبير.

إن لم تترافق المساعي الدبلوماسية بما يحدث على الأرض، فلن يحقق الحل السياسي فروقات نوعية، وتبقى الدبلوماسية لا أكثر من ثرثرة تعوم على بحر من اللغو العقيم، مادامت الحرب لا ينقصها الوقود الرخيص؛ البشر والمتفجرات.