الأمل ضعيف من جنيف، وفي الحقيقة معدوم. هذا في حال استئناف ما جرى وصفه بالمفاوضات على هذا المنوال، ما خاضت فيه الأطراف يصحّ وصفه بالمسار العبثي، وسيفضي في المستقبل إلى المزيد من التشدّد، فهم لم يأتوا ليجدوا حلاً، جاؤوا ليؤكدوا على مواقفهم. الأجدى أن ينحو المجتمعون إلى العمل على خطط قابلة للتحقق تحت ضغط الأمم المتحدة، كوقف إطلاق النار في بعض المناطق، وتبادل المساجين والأسرى، وتخفيف المعاناة الإنسانية على المحاصرين. هذه الحرب لم تنل إلا من الأهالي.

من المستحيل إيجاد حل للأزمة السورية، طالما الطرفان أيضاً لا يعترف أحدهما بالآخر، إذ في التناقض بينهما، لن يكون الاعتراف بالآخر سوى نفي للنفس. يبدو هذا واضحاً بما زودبه النظام وفده إلى جنيف بتعليمات تمنعه من أي تصرف يوحي بقابليته لأي تفاهم مع المعارضة، فما بالنا بالاعتراف بها، هذا إذا لم يكن وفد النظام أكثر تشدّداً من النظام نفسه، فهم لا يدافعون عنه، بقدر ما يدافعون عن أنفسهم.

ربما الحل خارج جنيف، على الأرض السورية المدمرة، التي لا يتوقف فيها تصعيد القتل يومياً، ما يتطلب معجزة ميدانية، الطرفان غير قادرين عليها. من هذا العجز المتبادل، تنشأ الحاجة للتدخل الغربي، ولا يقصد منه التدخل العسكري ولا التزويد بالسلاح، المقصود الضغط السياسي، وهي عملية ينبغي أن تشارك بها روسيا وإيران، بالتخلي عن كونهما أخذتا جانب طرف في النزاع، والإسهام في حل ينهي المأساة السورية. ما نطرحه فيه قدر كبير من الخيال لا يستقيم مع الواقع والمصالح. إذاً هل ستبقى القضية السورية مستمرة ومعلقة في آن واحد؟
لا يعني إطالة البت في الأزمة السورية إلا استفحالها وتعقدها أكثر مما هي معقدة. يتم استهلاك الزمن على حساب الشعب السوري. يومياً تُسجل الاشتباكات الدائرة في سورية، عدا الدمار والخراب، مئات الحوادث المأساوية ما بين قتلى وجرحى ومعتقلين ونازحين. بعد ثلاث سنوات لا مبالغة في وصفها، بأنها أسوأ أزمة عالمية في الوقت الحاضر.

ما يحدث حتى الآن، لم يدفع المجتمع الدولي فعلاً إلى التحرك بشكل جدي، لإنهاء مأساة تدخل في صلب واجباته الانسانية. طالما استغربت بعض الدول حساسية الغرب المفرطة والمحمودة تجاه حقوق الإنسان. بالمقارنة، تبدو اليوم لا مبالاته رهيبة تجاه مقتل الأطفال والشيوخ والنساء الموثقة بالصورة، وبمختلف تجلياتها، المشوهة منها والبالغة التشويه، ومناظر الموت جوعاً وتحت التعذيب. يمكن تفسير تريث المجتمع الدولي على أنه مصاب بانفصام النظر، لصعوبة تبرير مماطلاته، وعدم اتخاذ موقف صارم، والاكتفاء بالشعور بالقلق من جرائها، وفي الحد الأعلى إدانتها، بينما المطلوب إيقافها. انفصام النظر تعبير ملطف عن الصمت على ارتكاب جريمة مع سبق اصرار.

فيما لو تركت المفاوضات على حالها، فالأزمة سيديرها بعبع الإرهاب، الطرف الوحيد القادر على إحداث تغيير جدي ونوعي في مسارها، ولهذا يغض النظام الطرف عنه، ما دام أنه يحقق مآربه، وتحاول المعارضة وضع حد له، بخوض حرب ضده غير مضمونة النتائج، وليس هذا وقتها. الإرهاب الحاصل في سورية، ليس وليد الأزمة، بل دخيل عليها، وإن كانت شكلت عامل جذب له. الإرهاب وجد في سورية حاضنة تمول حربها بما تستولي عليه من المقدرات السورية بترول وغيره، وما يتدفق عليها من تعاطف المتشددين وأموال التبرعات. ما يسمح بلم شمل شتات الإرهابيين وتشكيل مركز عالمي للتدريب والإرشاد وإرسال الانتحاريين إلى بلدان الغرب الخائف والحريص على أمنه، وتهديده في عقر داره. عندئذ تجتمع كلمة الدول الكبرى على حل للأزمة السورية، ليس من أجل الشعب السوري، بل من أجل طمأنينتهم، لكن مادام الإرهاب مطوقاً داخل الأراضي السورية، فسوف تبذل الجهود لإطالتها، هذا أكثر طمأنة لهم.