الراجح حتى الآن أن التحالف الدولي، سيتفكك قبل أن يربح الحرب أو يخسرها، ويترك أطرافه وراءهم مستنقعاً تتخبط فيه دول المنطقة، ليقودوا الخراب من بعيد. هذا إذا استمرت الحرب على هذا المنوال العبثي، وهي الاستراتيجية الوحيدة المتوفرة حالياً، وإذا قال أوباما بعكس ذلك، فذلك لا يؤدي إلا إلى هذا الوضع. ففي آخر تصريحات له عقب فوز الجمهوريين في انتخابات الكونغرس، قال إنه من المبكر جدا القول إذا كنا سنربح المعركة، فالحرب سوف تستغرق وقتاً طويلاً. أما عن تدريب وتسليح المقاتلين السوريين المعتدلين، (مع أنه جرى التأكيد من قبل على أنه لا يوجد مجموعات معتدلة أصلاً) فهي المرحلة الاكثر تعقيدا: “نحاول ايجاد مجموعة تحظى بثقتنا ويمكن ان تساهم في اعادة السيطرة على الاراضي التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية، وفي نهاية الامر التحرك كفريق مسؤول على طاولة المفاوضات” ليكون لسوريا نظام جديد.

مشكلة هذا الحل، كما تكرر مراراً، أن الخطوة الأولى منه تستغرق فترة طويلة في انتقاء أفراد الدفعة الأولى وهم خمسة آلاف مقاتل، يشترط أن يكونوا طبعاً من المتطوعين المعتدلين، ثم فترة طويلة أخرى من التدريب. أخيراً على أرض المعركة سيكونون الفريق الأضعف بين المتواجدين في ميادين القتال، يتعرضون لهجمات قوات النظام، و”داعش” وغيرها من المجموعات الجهادية. في المحصلة، لن يسمح لهم إلا بالسيطرة فقط على المناطق التي تخليها “داعش”… هذه الخطة ليست بطيئة جدا فحسب، بل ما زالت في طور الدراسة، أي أن الإدارة ارتأت، والدراسة غير معروف متى ستبدأ أو تنتهي، وعلى أساسها قد تقوم بالتنفيذ، أو تلغى الخطة، فهي مجرد فكرة!! ثم أنها تأتي متأخرة، فالمتغيرات على الأرض سريعة جداً، بحيث لن تنتظر هذا التباطؤ، الأوضاع ذاتها، لن يقيض لها البقاء على حالها بضع سنين قادمة.

لا تنتظر الحرب التي تخوضها “داعش” المترددين ولا المتقاعسين وهؤلاء الذي يعيدون حساباتهم كل فترة، ويبدأون من الصفر، حتى الآن لم يحرز التحالف انتصاراً واحداً، وإن عولوا على انتزاعه في عين العرب “كوباني”، لا مؤشرات على التقدم، الضربات الجوية الأميركية أبطأت زحف “داعش” ومنعته من احتلالها بالكامل، وفيما لو نجح الأكراد في الدفاع عنها وعدم تمكين “داعش” منها، وسجلت النصر الموعود، ففي مسار الحرب تعد النتيجة متواضعة، ورمزية أكثر منها ساحقة أو معركة فاصلة. من الممكن أن تعود “داعش” وتحتلها كما جرى في حقل الشاعر الواقع بين أخذ ورد مع الجيش السوري. ولابد من الاشارة إلى أنها تتقدم في المناطق الأخرى في العراق.

هذه الحرب تركت للمقاتلين ومن خلفهم دول الجوار، ودول “الفيتو”. حرب تبتدع استراتيجيتها، استراتيجية العماء، مرشحة للاستمرار، كل طرف فيها بعد مضي أربع سنوات لديه خطته ومصالحه، همته القتالية عالية، والمقدرة متوفرة على زج المزيد من المقاتلين. فالنظام السوري، يجند الشبان بالتقاطهم من الشوارع لترميم الجيش، واستقدام الميليشيات الشيعية من العراق. وحسب الوزير المعلم، المعركة شارفت على الانتهاء، قريباً تصل الأسلحة النوعية صواريخ اس 300 من روسيا، وهي صالحة لردع أمريكا وتركيا فيما لو جربتا الاعتداء على سورية.

المعارضة السورية لم تكف عن ابتكار نزاعاتها على أي شيء وكل شيء، يخوضون معركتهم الخاصة، أربع سنوات لم تقنعها بالتوحد. كذلك المجموعات المقاتلة، الخلافات نفسها مع تراشق النيران والاعدامات الفورية، لم تحفزها الأخطار على تكوين قيادة موحدة لقتال العدو المشترك. الحرب ماضية، وهؤلاء الجماعات تقاتل وتتقاتل، ويخشون رغم ندرة السلاح والذخيرة من توقف الحرب، ما دفع ضابطاً عسكرياً منشقاً إلى القول: “أمراء الحرب لا يريدون سقوط النظام، لأنه إن سقط سوف يعودون بائعي أسطوانات غاز”.

من الممكن توزيع الاتهامات كيفما اتفق، عموماً يصيب أكثرها الهدف، لكن ماذا عن تلك التي تخطئه؟ لذلك من الأفضل الذهاب إلى النتائج الكارثية، فاستراتيجية العماء، دور الضحايا فيها هامشي، ووقود لأكثر من حرب واحدة. أما البلدان فإلى التفتت وعداوات إضافية.