ما الذي يطيل عمر الإرهاب؟ ولماذا في تجدد دائم؟ ببساطة، الأسباب التي تستدعي استمراره باقية على حالها. وإذا استبعدنا ما يُتهم به لدى المحللين السياسيين، وهو الحماقة، وقدر من الجنون، والالتواء في التفكير، صحّ الانتقال إلى ما يجدي، أي ماذا لو حلّ العقل، وقدر من الحكمة والإيمان الصحيح. ولا ندري إلى أي حد تتوافر في زمن المصالح الكبرى. عمومًا، لا يعول عليهم، هناك ما يتجاوزهم؛ إدارة لعبة السياسة.

الحرب طويلة مع الإرهاب، طالما المستفيدون كثر، هذا ما أثبته العقد الأخير، ما زالت الوسائل نفسها في التصدي له، تستمرئ المماطلة، فالسياسة لا تريد إنهاءه، بل التحكم فيه، وإدارته في صراعاتها. ما أبقاه على قيد الحياة، فهو لا يموت، ما دامت الأفكار التي يقوم عليها تنتشر وتتمدد، هناك من يعمل على ترويجها، ودائمًا ما تجد المؤمنين بها، أو من يجعلهم يؤمنون بها، ويدفعهم إلى التهلكة. كما أن المناخ مساعد على إنتاجه على أكثر من وجه، معارض ومناضل، عنفي ومسالم، محرض ومقاتل. وما يجعل اجتثاثه معقدًا وصعبًا، سهولة توالده بيئيًا وعنصرياً ودينياً وسياسياً. عدا عن مجاراته تطور التكنولوجيا.

أصبح الإرهاب بعد تفجيرات 11 سبتمبر أيلول، المشكلة رقم واحد للعالم، بالأحرى للغرب بزعامة أميركا، مع أن العرب والإسلام أكثر المستهدفين به. ولكي نفهم الظاهرة الإرهابية فإنه ينبغي أن نستعيد أشباهها، ما يعطي لمحة عن أسبابها البعيدة من دون استبعاد جذورها البعيدة، وبالتحديد إلى التاريخ الأوروبي نفسه، وليس إلى التاريخ العربي أو الاسلامي. يُضرب مثالًا عليه: الثوريون الروس والوطنيون الإيرلنديون. ففي عهد روسيا القيصرية، خيم على الشعب مناخ جائر من القمع السياسي. فنظام القيصر كان من أشد الأنظمة ديكتاتورية في كل أنحاء أوروبا. كان الحكام آنذاك مطلقي الصلاحية، لا حدود لسلطتهم، يتحكمون برقاب شعوبهم. لم تكن هناك حريات سياسية في أوروبا، خاصة روسيا. لم تعمل الحكومة القيصرية على التخفيف من الظلم الواقع على الشعب الروسي الذي يعيش في فقر مدقع. بينما الطبقة الارستقراطية الحاكمة المحيطة بالقيصر، تعيش حالة من الرفاهية والبذخ والتبذير المقيت. كانت المسافة الفاصلة بين الثروات الفاحشة وفقر الشعب هائلة. أما الطبقة البيروقراطية المتمثلة بالموظفين فكانت فاسدة، والرشوة شائعة في دوائر الدولة.

هذا الجو المفعم بالمظالم، شجع على تسرب أفكار المساواة والعدالة والاشتراكية إلى الشبيبة واعتناقها، وسيطرت عليهم الأفكار المشبعة بالمثالية، لم تنجد لتحقيقها سوى العمل على التخلص من رموز النظام الفاسد والمكروه شعبياً، ما جعل الحلول الإرهابية تجد سندًا لها في عقولهم، وسرعان ما اتجهت إلى تصفية القيصر وبطانته جسدياً.

لم يعد مستغربًا، أن يتطور الارهاب مع تطور وسائل الاتصال، وأكثر من استفاد منها، على الرغم من ملاحقته ومراقبته بأدق الوسائل، ومحاولة القضاء عليه قضاء مبرماً بالأسلحة الفتاكة والاغتيالات… مع هذا لم تحرز تقدماً ملموسًا، يعد بنهايته. فالعمليات الإرهابية باتت تفاجئ العالم في أية لحظة، من أشخاص غير متوقعين، بسوابق أومن دون سوابق، أو تحت الرقابة، كان العالم كله يشكل مسرحاً مفتوحاً لعملياتهم.

باتت الجهود التي تصرف للتغلب عليه تكلف مبالغ خيالية، تهدر على خطط غير مجدية. لم يفكر قادة العالم حتى الآن بالحد منه فعليًا، طالما الفوائد العائدة من وجوده تساعد على استثماره للدعاية لجهودها، واستثماره في الانتخابات والمماحكات السياسية، وإيجاد الذرائع للتدخل، واستغلاله في القضاء على أية حركة احتجاج بدعوى الإرهاب، كما جرى مع الربيع العربي، وتجسد بجلاء في سورية.

إن وضع حد لجنون العنف يستدعي إبطال حجج الإرهاب، بمعالجات لن تكون حقيقية إلا بتعاون دولي يعتمد برامج تهدف على المدى البعيد إلى القضاء على أسباب الفروقات الهائلة بين البشر، أو حتى العمل على تحجيمها بحيث تتوقف عن أن تكون سمة كوكبنا. أما على مستوى كل دولة، فاتخاذ إجراءات لمنع الظلم الناشئ عن محاولات تطويع الشعوب وإخضاعها لأنظمة مستبدة، والعمل على مكافحة الفساد، وأن يكون للناس الحق برفع شعار العيش بكرامة وحرية، ولا للكبت السياسي، وكم الأفواه، وعدم قمع المعارضين، كي لا يجدوا وسيلة للتعبير عن أنفسهم الا عن طريق الانفجار.

للإرهاب الكثير من الحجج القوية والمحقة، يبلغ بأصحابها من فرط إيمانهم بما يناضلون من أجله التضحية بأرواحهم. وإذا كانوا الطرف الأضعف ووسائلهم أقرب الى البدائية، لكنهم يلجؤون لتعويض التباين بين قوتهم وقوة المجتمع، أو الدولة، أو الجهاز البوليسي، أو الجيش المسلح بأحدث الأسلحة، إلى تحويل أجسادهم إلى قنابل، إن العمليات الانتحارية سلاح يصعب التصدي له ومكافحته، وهو أيضًا السلاح الوحيد الذي يضع الدولة في موضع الدفاع عن النظام.

الشقة واسعة، في المدى المنظور، في التخلص من التهديد الإرهابي، طالما النظام العالمي ما زال يعمل تحت مبدأ الرد على العنف بالمزيد من العنف، بموجب اعتقاد أنه الكفيل باستئصاله، ما دام أن السجون لم تعالجه، ولم تقض عليه الإعدامات، أو تفلح السياسات التصعيدية في إيقافه، بقدر ما أدت إلى تصاعده بالمقابل. وفي الواقع أسهمت في تمدده، فإذا كان الجهاديون الإسلاميون ضد سلطات بلدانهم، لكنهم أصبحوا ضد العالم أجمع.