تبدو الدعوات الدولية للوقوف إلى جانب الشعب السوري، بعدما تجاوزت الأزمة ما يقارب عامين ونصف، لا تجدي في وضع حد لها، والأرجح أنه لم يقصد منها مساعدة الثورة، بل العمل على إحباطها. ففي العلن يؤيدونها ويستنكرون الظلم الواقع على السوريين، بينما في الواقع يساهمون في إطالة عمر المأساة السورية. هذه الازدواجية، كانت واضحة وفاقعة إلى أن سارع الرؤساء الثلاثة الأمريكي والفرنسي والبريطاني إلى الإعلان عن تخليهم عن وعودهم، ونقض تصريحاتهم السابقة بعد مراوغة طويلة. طبعاً الذريعة الأقوى كانت متوافرة، وهي الإرهاب، والدليل وجود القاعدة على الأرض، تقاتل تحت مسمى “جبهة النصرة” و”دولة العراق والشام”، مع أنهم عندما أطلقوا تصريحاتهم النارية المؤيدة، كان أتباع القاعدة أنفسهم في ساحات القتال، وإن بأعداد متواضعة.
لو عدنا إلى الخلف لفترة أبعد، عندما لم يقبل الغرب بديلاً عن إسقاط النظام، كان في تذبذب مواقفه بعد ذلك لغز سواء في مماطلته، أو توفير المهلة تلو المهلة للنظام لممارسة القصف والتدمير اليومي. منذئذ انعقدت آمال الغرب على تلكؤ النموذج السوري للثورة والمراهنة على إخفاقه. لكن لا الثورة نجحت ولا النظام أفلح، مع أن النظام أثبت صلابة افتقد إليها النظامان المصري والتونسي، وسجل انتصاراً على الثورة، وإن ليس بالشكل المرتجى، وجعلها تراوح في مكانها، فلم تحرز تقدماً فوق ما أحرزت. بينما أثمر قمع النظام في تجنب نهاية بدت وشيكة، نظراً إلى ما تلقاه من دعم إيراني وروسي، ولا ننسى حزب الله الذي ما يزال يقاتل على أكثر من جبهة في الداخل السوري.
كسبت الثورة قدراً هائلاً من التأييد، حتى أن معظم العالم أصبح صديقاً لسوريا، ووعد ببذل العون لها، غير أنهم الواحد تلو الآخر تخلوا عن الصديق السوري المنكوب، وهي صداقة لفظية، الصداقة الحقيقية، تنقذ شعباً من الموت، أما هذه فتدفعه إليه. ولقد بدا حتى للذين يحسنون الظن بالصداقة والأصدقاء، أن هناك اتفاقاً ضمنياً بين الدول العدوة والصديقة على هزيمة الثورة، وقد يحلو للذين تستهويهم النظرية الخالدة للمؤامرة تفسيرها على أنها اتفاق دول يعقد بين الكواليس، الهدف منه إعادة سورية تحت السيطرة، مع معرفتهم أن النظام تخطى جميع الممنوعات وتجاوز المحظورات، والخطوط الحمراء، بعد استعماله السلاح الكيميائي، والارتفاع المتزايد في أعداد القتلى والمعتقلين والمفقودين والنازحين، ما دفع معلقين أجانب، إلى وصف الكارثة السورية، بالمأساة الكبرى للقرن الحادي والعشرين.
حجة الدول الغربية لعدم التدخل، أنهم تأخروا بالتدخل، وفي حال تدخلوا، قد ينجم خطر مدمر على المنطقة والعالم، ما يرتقي بهذه الحرب إلى حرب عالمية ثالثة. فأي شأن عظيم بلغته حرب النظام على الشعب، وأي شأن أعظم جعل الشعب السوري أضحية على مذبح السلام العالمي؟!
وإذا أردنا أن نضرب صفحاً عن كل الذرائع والمزاعم السابقة، والاستعانة بعلم نفس الدول والشعوب، لاسيما وأن الشعوب الغربية لا الدول فقط، رفضت التدخل والتسليح، فسوف نكتشف وجود لاوعي دولي وشعبي كامن، يلعب في الخفاء، أظهرته زلات لسان رؤساء الدول بتصريحات خجولة، مترددة ومخادعة، وعبرت عنه شعوبهم باستطلاعات الرأي. تبدى بإحساس لم يكن غامضاً، يمكن وصفه برهاب الثورة، على أنه إرهاب إسلامي، كان عامل تحذير وتنبيه لكل دولة بالتصرف بكامل وعيها، دفاعاً عن نفسها، بالنيل من الثورات عامة دون تمييز، على أنها ثورات صنعتها تظاهرات لم تكن بريئة، تعدتها إلى المطالبة بتغيير الأنظمة، وفيما بعد إقامة دول إرهابية، نرى اليوم تداعياتها في ما يجري في مصر وتونس وليبيا. ثورات مخفقة مسبقاً، سيكون في إفشالها المبكر، خاتمة وخلاص، ينقذان العالم المتقدم من العالم المتأخر.
علم نفس الغرب، لا يخفي هوسه بالثورات المخملية والملونة البرتقالية، ووساوسه من الثورات العربية، سواء كانت مسلحة أو سلمية.
-
المصدر :
- المدن