يبرّر الكثيرون تعامل الغرب الحذر مع العرب والمسلمين، في أن الغرب يعاني من مركّب نقص يدعى الإسلاموفوبيا، تكوّن تحت تأثير “القاعدة” وأشباهها، تجسّد بغزوة نيويورك والعمليات الانتحارية، وانتشار الدعاوى الجهادية.

في العقدين الأخيرين، بلغت الإسلاموفوبيا حدّ التطيّر من المساجد والمآذن والركوع والسجود، ونسبت مخاوفها من الدين الإسلامي، بأنه يبغي زعزعة أمنها، ما ولّد كراهية ألصقت جميع الشرور به، وإن كان من الممكن رد هذه الكراهية إلى تاريخ أبعد في الماضي بدأ مع الحروب الصليبية.

يُزعم أن هذه المنظمات الإرهابية يقودها مسلمون ينشرون عشق الموت، والاستهانة بالحياة الإنسانية، ينشدون الثأر لما نال المسلمين بعد خروجهم مطرودين من الأندلس، وهزيمة جيوش الخلافة العثمانية في أرجاء أوروبا، ثم انكفائهم وتأخرهم في بلدانهم.

يتجاهل الغرب قروناً من النهب الاستعماري، وإذلال شعوب بأكملها، كانت نتاج احتلال بلدان المسلمين، ونهب نفطهم، وتمزيق أوطانهم. ولقد احتاج العرب والغربيون معاً إلى أكثر من هدنة للتخفيف من ذيول هذا النزاع من سوء الفهم المتبادل، أسهمت فيه جهود أناس أدركوا أن ما يجمع العالم هو الإنسانية، وأي تخل عنها يمثل مقتلاً للبشرية، فتوارت الكراهية تحت غطاء “الحوار مع الآخر”.

في السنوات الأخيرة، ومع استمرار المأساة السورية، أصبح اللجوء إلى الغرب، إحدى الحلول التي لجأ إليها السوريون هرباً من الموت والتجويع والقتل والاغتصاب، ثم شكل في العام الحالي جائحة اجتاحت أوروبا، اخترقت الغرب في عقر داره.

عبّر مسؤولون أوربيون عن مخاوفهم، بأن اللاجئين يهدّّدون جذور حضارتهم المسيحية، مع أن الشرق منشأ المسيحية، كما يسيئون إلى نمط حياتهم المتحضر بالحجاب والنقاب واللحى. تمظهر رد الفعل بالاعتداء على اللاجئين العزل وإهانتهم ومعاملتهم معاملة المجرمين بإقامة الحواجز والأسلاك الشائكة في وجوههم، وحبسهم في مخيّمات أشبه بالمعتقلات.

الأخطر هو الحوادث الفردية التي تشير إلى مزاج متفش، فأن تقوم صحفية بركل أب يحمل طفلته، يدل إلى مدى تسلل الكراهية إلى بشر هم الأكثر اطلاعاً من غيرهم على ما أصاب هؤلاء اللاجئين من أذى وضيم، ما يفترض أن يكون محفزاً على انحيازهم لإنسانية لا تشوبها شائبة، أو على الأقل الحياد تجاه قضية أصبحت معروفة، ولا يطالها الشك، من كثرة ما عسعست في الوجدان الدولي، وجرى التلاعب بها في المحافل الدولية، وتخلت عنها دول عظمى.

المقياس الحقيقي للإنسانية، هم البشر العاديون الذين لا ترسم ردود أفعالهم سياسات عابرة، إذا تنكروا لها، فلن تغني عنهم تعاطف الحكومات والمنظمات، ولا جماعات حقوق الإنسان.

وفي حال انعدم إحساس الأفراد باحترام الكرامة البشرية، يحق لنا القول، إن الإنسانية في مأزق، طالما العالم يختلق مشاكله ويحلها بالسلاح، فالكراهية صناعة دائمة، تعزّزها السياسة والإعلام، ضحاياها البشر، ولا مغالاة، وإن كان من السخرية المُرّة القول، إن العقد النفسية تتحكم بالعلاقات بين الشعوب.