تواجهنا مسألة العدالة كيفما توجّهنا. أكثر ما تُمارس عملها في قاعات المحاكم، لا يعني هذا أنها لا تتخطّى قصر العدل الموقّر، ربما كان عملها أوسع، غير محدود، وأجدى خارجه، وإن كانت لا تحرز نجاحات مدوية، كما أنّ رقعة الصدى ضيقة.

القوانين لا تدعم العدالة الكامنة في النفوس، وجودها هو الإحساس بها، وقد لا ينقلها من النوايا إلى دائرة التنفيذ، الانصياع لها يحتاج إلى قدر كبير من الإيمان بها، لتعمل منفردة ومتحدية اتجاهات هي ضدها.

ليست العدالة قضية أفراد فقط، إنها قضية مجتمع أيضاً، كذلك مسعى دول. فالظلم متوافر على جميع المستويات. بحيث إن مساحة الشر تتّسع على حساب عدالة مبتورة، أو معطلة عن العمل. العدالة أيضاً تتعرّض إلى الفساد؛ ليس لأنها عمياء، بل لأن الذين حولها مبصرون، يستغلون عماها.

إنّ تصوّر العدالة في سورية، أشبه بالمستحيل؛ لأنها مشينة أكثر منها مخجلة، بحيث من الصعب تصديق أن العدالة بهذا الانحطاط، إذ هي نقيضها المشوّه. الفساد المتغلغل في أجهزة القضاء، يفقدها معناها وفحواها ومقاصدها، تصبح لا أكثر من رشاوى، ووساطات، ومساومات، وتنازلات، واستنزاف للضحية، وجني أموال بالباطل… إذا فسد القضاء، فلا تسل عن المجتمع، الفساد يسري كما النار في الهشيم.

يجد الفساد أقوى صوره في التعبير عن مآثره الكبرى في رحاب القضاء، إذ يقهر العدالة في عقر دارها، ويحيل القضاء إلى أكثر حالاته رثاثة، ليصبح وسيلة السلطة لانتزاع الحقوق، وتكميم الأفواه، وإرسال البشر إلى السجون كعقاب على الخروج عن النظام. فيصبح التحقيق أداة تقييم، والمعتقلات أمكنة تقويم، تضارع ما يفوق الجحيم المتخيّل، أبدعته نفوس تتشرّب الباطل على أنه حق، ويصبح التعذيب سحقاً للإنسان، والظلم ثوب الحقيقة الدامغة والقاتلة.

يصعب الكلام حول العدالة، أو القيم في ظل الانقسامات بين الدول الكبرى، طالما لا تتوافق على سياسة رشيدة وموحدة لحل النزاعات في العالم. وليس عبثاً القول، إن “المجتمع الدولي” يفتقر إلى أن تكون للعدالة إرادة، إذ إن ما يرغب فيه نوايا لا يعمل على تحقيقها، ما استحال تكوين ضمير عالمي مسؤول، رغم ما تلغو به الدول مجتمعة ومتفرقة.

فالولايات المتحدة ومثلها روسيا، لا تفتقدان إلى الأخلاق، لكن لا محل لها في حسابات المصالح البحتة، وليست مواقفهما استراتيجيات لا يمكن التراجع عنها، وإنما في أغلبها حسابات انتهازية على المدى القصير، فرضتها سياسات الجشع.

كذلك اجتماعات مجلس الأمن، وتسارع اللقاءات الدولية، والممانعات الروسية، وما دعي بأصدقاء الشعب السوري في سالف الزمان، رياء ضارب أطنابه، كانت كل دولة تحاول الالتحاق بالربيع العربي، ولو بأخذ صورة تذكارية مع تباشيره… لم تكن إلا مساومات أفضت إلى أخذ المسألة السورية إلى المزيد من التأجيل، ريثما تعثر على حل يرضي جميع الأطراف عدا السوريين؛ هذا ما يراد لها.