عبّر الأمين العام للأمم المتحدة “بان كي مون” عن مشاعره بحلول الذكرى الثالثة لاعتماد بيان “جنيف1” الخاص بحل الأزمة في سورية، بأن هذه الذكرى تشكل عاراً على المجتمع الدولي، بسبب معاناة الشعب السوري التي لا تزال مستمرة. وشدد على مجلس الأمن الدولي عدم إضاعة المزيد من الوقت لوقف دوامة العنف في سوريا التي أدت لمقتل أكثر من 220 ألف شخص، واضطرار نصف الرجال والنساء والأطفال، إلى الفرار من منازلهم، ومواجهة المدنيين للبراميل المتفجرة، والانتهاكات الفظيعة الأخرى لحقوق الإنسان، مثل تعذيب واحتجاز عشرات الألوف، لفترات طويلة. هذا بينما مبعوثه الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، منخرط في سلسلة من المشاورات بشأن كيفية ترجمة بيان جنيف على أرض الواقع للتخفيف من محنة الشعب السوري.
ليس أن الأمين العام للأمم المتحدة غير غائب عن الأزمة السورية، بل ويدرك تماماً ما تسببه من نزيف كارثي، طال إلى حد بدأ ينذر بدوامها إلى آجال لا تحل إلا لتتكرر، فالطبعة نفسها من اللامبالاة الدولية إزاءها، دلل على استعصائها، وتجاهلها من دون شعور بالذنب، برهاناً على أن سياسات الدول لا تذنب، والمصالح دائماً على صواب.
أصبح من الطبيعي القول باستحالة الحل، لا صعوبته، منعاً للمطالبة بترتيبات متدرجة لفكفكة معضلة لم يعد انكارها سهلاً، لأسباب قوية، فالخطر السوري ما انفك قائماً، يكفي الإشارة إلى “داعش”، كي ينظر الأمريكان والإسرائيليون إلى أنها تهدد أحفاد أحفادهم، دون النظر على الاطلاق إلى أن النظام ومعه “داعش” يقتلان السوريين بكفاءة بارعة، من ينجو من الأول، لا ينجو من الثاني. يهتم المجتمع الدولي بالأجيال القادمة من عالم لا يعاني إلا من الاقتصاد، وهذا أحد أسباب التضحية بالسوريين من الأجيال الحالية ولو بالموت، على أمل أن تنعم أجيال الغرب اللاحقة بالحياة الهانئة، ولو دمر النظام شروط البقاء للسوريين الذين ينعمون بالحياة مصادفة، فالقتل عشوائي.
لم يلتفت أحد لبيان الأمين العام ولا لتحذيره، أو للعار الذي لم يستثن منه أحداً، أبرأ ذمته من دماء القتلى، أما القتلة فليس من العسير ارضاؤهم. هذا المأزق يتوقعه الأمين العام، كما أن الدول الكبرى تقدر الاحراجات التي يواجهها بحكم منصبه، وزجه في مآزق، لا يستطيع التدخل فيها إلا بالبيانات، تجد صدى في حيز لا يشكل ازعاجاً حقيقياً. فالرجل يقوم بعمله المتفق عليه، من خلال درس تلقاه أمين عام سابق يدعى “همر شولد” ومبعوث دولي “برنادوت”، العقوبة لا أقل من القتل.
بيان الأمين العام مع هذا لابد من الرد عليه، وإن بأسلوب غير مباشر، لئلا تدعم بعض البلدان مسألة طرح منطقة آمنة في سورية بشكل جدي. الجواب كان من المتحدث باسم الخارجية الأمريكية؛ إن البنتاغون والجيش الأمريكي وقوات التحالف الدولي لا ترى ضرورة في فرض منطقة آمنة في سوريا حالياً، إذ أن هناك صعوبات كبيرة لفرض مثل هذه المنطقة، إضافة إلى أن التحالف الدولي لا يدعمها.
ما يشكل تساؤلاً لغوياً عن كيفية فهم “منطقة آمنة”، هل تعني مثلاً شيئا آخر غير الأمان بالنسبة للأهالي، وربما عودة النازحين أيضاً؟ حسب المتحدث الأمريكي، يبدو أنها تشكل انتصاراً لـ”داعش” و”النصرة” على النظام الذي يمنح الأمان للمدنيين بالمسارعة إلى الاجهاز عليهم ببراميله المتفجرة، قبل أن تأتي جحافل “داعش” وتستثمر قتلهم باستعراض يبث الرعب، بينما البراميل تكفل الموت الآمن للسوريين، بقتلهم بالجملة، ويشمل أكبر عدد ممكن منهم، لهذا تسقط البراميل على الأماكن المكتظة بهم.
على الطرف الآخر، كان الممثل الخاص للرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف أكثر واقعية بمناقشته مع ممثل مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة تطورات الاوضاع في سورية. ليتم الاتفاق في نهاية اللقاء على تسهيل التوصل إلى تسوية سياسية عاجلة على أساس بيان جنيف مع التركيز على تهيئة البيئة المواتية لعقد المؤتمر الدولي “جنيف 3”. أما موضوع المنطقة الآمنة، فلم يتطرقا إليه لعدم أهميته، طالما أن الأمريكيين حملوه عن الروس.
في زمن الحرب الباردة، كان لقب الأمريكي البشع يعني في الوقت نفسه الأمريكي الغبي. أحرز الروس نجاحات سهلة، كان للحماقة الأمريكية نصيب وافر فيها. في هذه الايام انعكس الأمر، فالأمريكان الذين أوكلوا إلى الروس في السنوات الماضية التصرف بالأزمة السورية، من قبيل احراجهم، تطوعوا لتقييد أي حل واحباطه سراً. المنطقة لم تعد تهمهم، إلا من حيث أن الاسرائيليين جادون في تدمير سورية، حسب تنبؤاتهم القيامية، وألا تقوم لها قائمة، إلا كدويلات.
إذا استمر الحال على هذا المنوال، فالزمن القادم سيتقاسمه في المنطقة إسرائيل وإيران. أما العرب فلا حظوظ لهم، لم يبق لهم في الزمن إلا سنوات معدودات، بعدما عاشوا محاولات نهضتهم في صراعات بينية، شكلت موتهم البطيء. ها قد جاء موتهم السريع بأيديهم، فداعش وحزب الله على سبيل المثال، هم عرب يقتلون السوريين لمجرد أن “داعش” يريد إقامة خلافة لا علاقة لها بالإسلام، وحزب الله لأن الأوامر جاءته من إيران، مع أنه ليس حزباً ايرانياً.
من قبيل الإعادة والتكرار الممل، القول إنهم عندما سيعلنون وفاة العرب على حد قصيدة لنزار قباني، سيعلنها العالم على أن الأموات عرب، أي ليس بوسع العرب التنصل من عروبتهم حتى وهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة. لا مفر من العروبة، إنها قدرنا الجيد أو السيء، فلنختر بينهما.
-
المصدر :
- المدن