إنّ محاولات اعتماد الدعاية للكتاب للتشجيع على القراءة في بلداننا، لا يمكن الاطمئنان إليها حالياً، بالنظر إلى أسلوب الترويج المبالَغ به والاعتباطي، والقوائم كثيرة، مثل “عشرة كتب لا بدّ من قراءتها” و”أفضل خمسة كتب”… عناوين كثيرة ومتبدّلة، وأحيانًا سخيفة، مع أنّ الجهات التي تقوم بها مواقع، تزعم أنها ثقافية في وسائل التواصل، ولا باب ثابتًا للتعريف بالكتاب وأهميته. مع أنه في هذا المضمار حصل تقدُّم، ثم أخذ يظهر ويغيب، والأسباب كثيرة، لا تواصُل مع دور النشر، ولا متابعة جدّية لحركة الطباعة، الأرقام جزافية، الدقّة المفترَضة تكاد تكون معدومة، والأصح لا يوجد، كأنما أصدقاء يروّجون لأصدقاء، أو تسويق لدور نشر جديدة، وكتب لا على التعيين، وبالمقارنة مع ما يشوب المواقع الثقافية من ضعف أو تحيّز، لا يمكن الحصول على عرض للكتاب شبه معقول، لعدم الاطلاع عليه.
ولا تشذ عنها قوائم “الأكثر مبيعًا” الحديثة، كما أنه اختفى، بعدما اعتمد على مزاجية المواقع الثقافية غير المستقرّة أصلًا، فلا يعني أنه ليس له مستقبل، كما يبدو أنّ الحاجة إليه لن تتأخّر كثيرًا، بعدما أصبحت دور النشر تنبت كالفطر، وفي ازدياد متواصل، وما يمكن أن توفّره الدعاية للكتاب من انتشار، مع أنه بصورته الشائعة، لم يتعدّ أكثر من الإعلام عن صدوره تحت باب “صدر حديثًا”.
هل تؤدّي القوائم الثقافية المتنوّعة خدمة للقارئ؟ لا يمكن القطع بهذا، فهي لا أكثر من توجيهه نحو بعض الكتب بدعوى الإقبال عليها، وكأنه إذا لم يحصل كتاب مديح وتقريظ، فلا أهمية له. بيد أن أكثر ما يلاحَظ هو تأثير القوائم الغربية على حركة الترجمة الى العربية، فأصبحت الأكثر ترجمة. وما يلاحظ أيضًا، أنه عندما تنحسر سمعتها في بلدها، تنطلق شهرتها في بلادنا، لذلك كانت الترجمات سريعة ومتسرّعة لتواكب أصداء الكتاب في بلده.
إن كان هناك من خطر، فعلى الذائقة التي يصنعها الإعلام
ترى ما مدى فائدة هذه الظاهرة بالنسبة للكتب غير المترجمة؟ عدا بدائيتها وتحرّكها المتعثّر في سوق الكتاب، تتعرّض للتدليس من دور النشر والكُتّاب، مما يُكتب على الغلاف عن عدد الطبعات، أحيانًا تزيد عن العشر، من دون ذكر عدد النسخ. وإذا ذُكرت فالأرقام جزافية. مع أن المعروف في مجال النشر، أنّ طبعة من ألف نسخة تأخذ نحو خمس سنوات كي تباع. قلّة من الناشرين من يطبع ما يزيد عن هذا الرقم. ما زالت القراءة متواضعة، إضافة إلى استعانة الكثير من القرّاء بمواقع الكتب المقرصَنة لتنزيل الكتب بلا مقابل، ما شجّع على القراءة، بذلك لم تعُد الكتب تكلّف الكثير، وهي ميزة يستفيد منها الشغوفون بالمطالعة، ولا يتمتّعون بدخل جيد.
أمّا كيف تُحقّق الرواية الانتشار، ففي الواقع ليست الدعاية كافية لإسباغ القيمة على الرواية، تتدخّل عوامل كثيرة، أبرزها موضوع الكتاب الذي لا بدّ أن يجذب اهتمام طائفة من القرّاء، فمثلًا الموضوع الديني المثير، وما رافقه من ألغاز وتشويق، كان السبب في مبيعات رواية دان براون “دافنشي كود” ما يزيد عن ثلاثين مليون نسخة، ما حقّق دعمًا جيدًا لكتبه اللاحقة التي أصبحت على رأس هذه القوائم بشكل مستمرّ، وسلّطت عليها الأضواء، الناس يحبّون قراءة المؤلّفين نفسهم سنة بعد أُخرى. كنوع من الاعتياد السيئ أو الجيد، وهو ما يشجّع عليه الناشرون، اقتداءً بروايات آرثر كونان دويل وآغاثا كريستي، كلاهما شكّلا حالة إدمان على القصّة البوليسية، عادت بالنفع على النشر والسينما والتلفزيون.
كما يلاحَظ في الغرب، يستفيد الكاتب من دار النشر، باعتباره استثمارًا رابحًا، فإذا نجح الكتاب الأول، تقوم عادة باحتكاره، وتُجدّد الدعاية له مع كل كتاب، على أنّه الأفضل، وتضطر إلى رعاية الكتاب الجيّد والمتوسط والأقل من المتوسط الرعاية نفسها، فالاستثمار يجب أن يكون مستمرًّا وذا مردود، لذلك تصدر القليل من الكتب الجيدة والكثير من الكتب لمجاراة حركة النشر. وإذا كان هناك من خطر، فعلى ذائقة الجمهور التي يصنعها الإعلام، فلا يُقبل القرّاء إلّا على الأنواع التي اعتادوا عليها، ولا يستسيغون غيرها، ولا يُستبعد أن تكون جيدة. لكن هل تعطي فكرة صحيحة عن قيمة العمل؟ طبعاً لا، القائمة غير مسؤولة عن جودته، ولا عن ضمان إعجاب القرّاء به. إنّ الحجّة في التشجيع عليها، الاقتناع بأن الكتاب سلعة مثل غيرها، سلعة قابلة للكساد، ستكون طعمًا للغبار، إن لم تجد طريقها إلى المستهلك.
-
المصدر :
- العربي الجديد