في احتفال متأخر لإحياء ذكرى يوم استقلال أميركا، تحدث نتنياهو باستفاضة عن العمل الفظيع الذي جرى توثيقه خلال المذبحة التي ارتكبها البدو من المليشيات السنية المتطرفة ضد الدروز في جنوب سورية. وقال إن الإرهابيين “انتزعوا قلب أحد الدروز وهو على قيد الحياة وأكلوه وأحرقوا الأطفال والكثير من الأفعال”.
ولقد حاول المراسلون إيجاد فيلم كهذا موثق. ولكن هذا الادعاء كان عارياً من الصحة، لم يؤخذ كلامه بالاعتبار، على الرغم من تصميمه على وصف الأفعال الفظيعة بأدق التفاصيل، طبقاً لعنوان المقال في الجريدة “نتنياهو لأميركا: رأيتهم بنفسي.. أحرقوا الأطفال في السويداء وانتزعوا قلب درزي وأكلوه”. هذا بحسب جريدة هآرتس 15/8/2025.
ولماذا لا تكون هذا الرسالة موجهة إلينا أيضاً، طالما هناك من ه على استعداد لاستقبالها وترويجها، خاصة أنها رسالة تأخذ أهميتها من أنها صادرة من شاهد عيان ثقة، يدعم رأي إعلاميين سوريين مشبوهين، من الذين يبثون الأحقاد والهراء، لا يتورعون عن التحريض بدأب يومي، سمته الغالبة التهريج، مع تحديث حماقاتهم حسب آخر طبعات الديمقراطية والليبرالية والتقدمية وهلم جراً، والاستئناس بإرشادات المنظمات الإنسانية، والمواقع الإلكترونية للصحافة التي لا هم لها إلا تأويل أية حادثة على أنها تنال من الأقليات أو المكونات أو الكيانات، فهذا اختصاصهم.
يجب أن تتهم طرفاً واحداً فقط، وإلا اعتبرت مشاركاً بالجريمة
مهما يكن، ثمة أنموذج للمثقفين الجدد، ساحة نشاطهم وسائل التواصل، يمكن اعتبارهم مؤثرين، وهي الموضة الشائعة للسيطرة على الرأي العام، منهم من تكبّد عناء تشكيل محاكم تفتيش وغرف عمليات ثقافية، نستدل عليها من تسارعهم كتلة واحدة لدحض أي رأي، يحاول معرفة ما حدث، أو يطلع على تفاصيله، بينما يجب أن يسلم برواياتهم للأحداث من دون تساؤلات، فيجرى اتهامه بالتشجيع على الإبادة التي أصبحت وصفاً دارجاً، ولو كان حول شجار بين اثنين، أو كان هذا الشجار على صفحات الفيسبوك، وإن لم يكن شجاراً، وإنما محاولة لإبداء الرأي، فيتعرض صاحبه للاتهام والاستفزاز، ويجرى تصنيفه من الأعداء الملوثة أيديهم بدماء السوريين.
إذا كان ثمة حديث عن هذه الثقافة المبتكرة، الفظة والهجومية، فمن حسن الحظ أنها تدور على صفحات الفيسبوك، وفي انتشار، بعد تشكل محاكم تفتيش، يسارع أعضاؤها، بالتحقيق معك، وإذا أحسنا الظن بها فعلى شاكلة لجنة “ماكارثي”. بيد أن الشأن تطور معها ولم تعد تسأل، باتت تحيلك إلى قوائم العار، إذا لم تصب اتهاماتك على طرف محدد، وهو السلطة الجديدة في دمشق، وليس من المقبول، أن تناقش وإلا أصبح رأيك أو استفسارك تحت الاتهام، ولو أنّك أدنت الجرائم المرتكبة، لأنك يجب أن تتهم طرفاً واحداً فقط، وإلا اعتبرت مشاركاً بالجريمة، أو أنك تساوي بين المجرم والضحية، إذ ليس هناك سوى مجرم واحد وضحية واحدة. وما تحاول إبداؤه من رأي هو طمس للحقائق، والتستر على الجرائم، ولو كان بحجة إيقاف التحريض.
أما أصحاب الرؤى الأيديولوجية اليسارية، فقد عادوا من سباتهم مسلحين بأجنداتهم وكانوا أوفياء لها، إلى حد إنكار الواقع، معارفهم سبقت الوقائع نفسها، وأعلنوا عن معارضتهم لكل شيء دونما استثناء، ولو كان في العودة إلى ما كانت عليه سورية، يكفي أن النظام الساقط كان علمانياً، هذا لم يعلن عنه، لكن كانت الدعوة إلى إسقاط السلطة الجديدة مرحباً بها، ولو كان تحت العلم الإسرائيلي، وتجاهل قصف دمشق، ولديهم أسبابهم، ماذا يكون العلم الإسرائيلي إلا خرقة زرقاء، فلا تهتموا. ولئلا نهتم، أصبح العلم السوري يداس بالأقدام.. وماذا فيها؟ هذا العلم استشهد تحت رايته لا أقل من مليون سوري، رجال ونساء وشبان وأطفال. هذا ليس تعبيراً عاطفياً، إنه حقيقة.
هل بقي شيء لا يمكن إيجاد الذرائع لتسويغه؟ إذا كان مثقفو وسائل التواصل سيتبعون خُطى نتنياهو فسوف يتفوقون عليه بالأكاذيب.
-
المصدر :
- العربي الجديد