كان من تداعيات حدث مارس/ آذار 2011 والذي دعي بالثورة، واتصل بالحرب على الشعب، في زمن كان مجموعه 14 عاماً، عدم تحقيق سقوط النظام، ما عُقد عليه من آمال، بحسب الأدبيات اليسارية للأحزاب التقدمية. اعتقد اليساريون أن القادمين الجدد سيسلمون لهم مفاتيحها، ليديروا أمور الدولة، فهُم الأقدر على قيادتها، ولو كان نحو دولة ستكون غامضة، لن تكون اشتراكية، فالمرشد الروسي غادرها بعدما تجاوزها الزمن، ولا رأسمالية على الطريقة الإمبريالية، خشية الوقوع في أحضان الغرب، أي إن الدولة القادمة في حكم المجهول، لكنها تقدمية. في الواقع لن يزيد عجزهم عن عجز السلطة الجديدة، وسوف تواجه المشكلات نفسها، لكن كان مدخلاً لانتقادات طاولت كل ما تحاول القيام به، إتاحتها حرية التعبير، ونرجو استمرارها.

لم يكن للروايات التنبؤ بنهاية الثورة أو ما يعقبها، إذ لم تحاول، أو تراهن على ذلك الذي كان يستحيل حدوثه، لارتباطه في ذلك الوقت بالأبد، فلم يحصل كما في روايات المرحلة ما قبل روسيا الشيوعية وخلالها، بالتنبؤ بتحقيق المجتمع العادل والمساواة، وتحرير طاقات المجتمع الإبداعية، ظهرت في كتابات الروائيين، وأقرب مثال رواية “الأم” لمكسيم غوركي، كان كلّ شيء واضحاً أمامهم، بحسب نظريات ماركس ولينين وستالين، للأسف، أو من حسن الحظ، لم يتوفر للسوريين مثل هذا الطاقم الصلب.

أما الذين كتبوا عن الثورة السورية، فكان تجارب عن عذابات شخصية، وذكريات السجون وتأملات وشهادات في المعاناة من جور النظام، كذلك عدد كبير من الروايات. أجزم بأنها في مجموعها كانت عن السوريين الظالمين والمظلومين، ولم تتنبأ أو تتوقع ما سيحصل، فلم تبنِ آمالاً، أمنياتهم كانت سقوط النظام. ولم يتعرض جميع الذين كتبوا رواية أو شعراً ومسرحيات إلى الآمال المشرقة التي قد تتحقق بعد انتصار الثورة. وإذا كانت هناك أحلام، ففي السجن لم تكن أكثر من نسمة حرية، وفي الخيام العودة إلى الوطن، وفي التعذيب تمني الموت. لم تكن أحلاماً وردية، كانت كوابيس سوداء.

هناك ملايين القصص الواقعية ستلهم الكتاب في المئة عام القادمة

ما كتب كان بالتحديد عن الحياة والناس والسياسة والفكر والدين والثقافة في ظلام الدولة الشمولية الرثة، سورية الطابع، بعدما بات لها تاريخ، وأسباب، وآليات، وطرائق تفكير، وأساليب في القمع، يحق لنا التعرف إليها وتمييزها من غيرها، هناك سوريون فتحوا عيونهم على حافظ الأسد وأغلقوه على بشار الأسد، لم يعرفوا غيرهما. الأمر غير مرتبط بنجاح ثورة أو فشلها، الأمر هو نظام الأسد المتوحش. هناك ملايين، نعم ملايين القصص الواقعية ستلهم الكتاب في المئة عام القادمة، وربما أكثر، عن نظام من أسوأ ما مرّ على البشرية وأقساهُ.

أما حول ما أنجزته الرواية في الكتابة عن الزمن الشمولي، فكان من واقع الزمن نفسه، سمح به وجود كتابها في الخارج، وما أصابوه من حرية، فكتبوا عن الزمن الذي عاشوه، وعانَوهُ. وهو زمن لا غضاضة في الكتابة عنه، عشناه 54 عاماً، وأخذ أعمارنا، وكاد أولادنا وأحفادنا أن يكونوا القطيع الذي تتوارثه العائلة الرئاسية. كتبنا عن حياتنا، ولم نتخيلها، وفي ظروف زمانها وخارج زمانها. وإلا فلماذا نحن مثقفون وروائيون وشعراء، وهذا لا يعني الإلزام، وإنما عدم ربطها بمآلات ما بعد سقوط النظام.

أقول إن ما كتب عن الدولة الشمولية الرثة، لا يصادره ما تحقق أو لم يتحقق، هذا حدث آخر، تلا سقوط نظام الأسد، إلا إذا تحسرنا عليه. أما أن تأتي بعده دكتاتورية أو يوتوبيا، فتلك رواية أخرى، يكتبها غيرنا، وللتشجيع يمكن البدء بها من الآن، أو بعده بقرنٍ من الزمان.