تعيد مشاهد الدمار الهائلة في غزة إلى الأذهان مشاهد مماثلة في أرجاء المدن والأرياف السورية، الإسرائيليون لم يستثنوا المستشفيات والمخيمات، ومثلهم تماما في سورية شمل القصف المستشفيات والمستوصفات والافران والأسواق، وكما يجري في غزة من استهداف للمدنيين، كذلك في سورية لم يوفروا الأهالي بالذات، باعتبارهم حواضن للإرهاب. الأمريكان والغرب يشاركون إسرائيل في القتل والتدمير، مثلما شاركت روسيا وإيران وحزب الله، في القتل والتدمير، وكأن غزة تقع في الداخل السوري.
لن نعود إلى الذاكرة للمقارنة بين الخراب الحاصل في غزة والذي مازال مستمرا دونما توقف، والخراب الذي حصل في سورية، فشواهده ما زالت على الأرض على امتداد الجغرافيا السورية، عدا انه لم يتوقف، ما زال الشمال يُقصف حتى هذه اللحظة وأكثر ما يصيب النازحين في الخيام.
مشهد الدمار في غزة امتداد للدمار السوري، وكأن هذا من ذاك، ولا فارق كبير، فالنظام يقتل شعبه ويطرده من ارضه، بينما الإسرائيليون يقتلون شعبا بعدما سرقوا أرضه، ويريدون سرقة ما تبقى. يتصرف كلاهما من معين واحد، الحق في النهب. وكما يتشاركان في الوسائل القمعية، يتشاركان في المفاهيم نفسها، ففي طبيعة العلاقة بينهما غير المرئية، كأن كل منهما يستعين بالآخر، ويجد سنده بما انجزه من جرائم، إنهما واحد في اثنين.
أعطى الرئيس الخالد مثالا في حماة على الإبادة في القضاء على تمرد قادته الطليعة الإسلامية، فحاصر المدينة وقطع عنها أي اتصال بالعالم، مع قطع الكهرباء والماء، لم يكتف بقتل المسلحين، كان الأكثر ضرورة إعطاء درس، ليس لأهل حماة فقط، بل للسوريين جميعا، بمجزرة وحشية بلغ عدد الضحايا خمسة وعشرين ألفا. عدا الذين اقتادهم إلى سجن تدمر، وقتل غالبيتهم بمحاكمات ميدانية، أما الباقون فقضوا في الجحيم سنوات طويلة تحت التعذيب والموت.
هذا المثال استعان به الإسرائيليون في حصار غزة، فالرئيس الخالد استن ما بات يدعى تحت عنوان عريض “قواعد حماه”، زعم الإسرائيليون أنهم أخذوه من مجززة حماه، كأن تاريخهم في فلسطين، لم يكن تاريخا من المجازر، وإذا كانوا قد اقتدوا بالرئيس الخالد فبموجب ان العرب لا يفهمون إلا بهذه الوسيلة، فاستخدمها الاسرائيليون لجدواها، مجرد أنها نسخة عن الأصل.
المرحلة التي تليها، سيكون دليلهم اليها الرئيس الابن، بتقديم المبرر العملي لتهجير سكان غزة، تمهيدا لتهجير قادم لسكان الضفة الغربية، وهو ما قام به الرئيس الحاقد خلال سنوات الثورة والحرب من تهجير للسوريين، بلغ ما يزيد عن سبعة ملايين، فالإسرائيليون مع أنهم لم يفعلوا جديدا، افتقوا أثر نظام مجاور لهم، أعلن عن هدفه في سورية مفيدة، لا تضم إلا الموالين له، كذلك إسرائيل أعلنت عن إسرائيل دولة يهودية، إذا كان للفلسطينيين وجود فيها، فمواطنين من الدرجة الثانية، تمهيدا لدولة صافية بلا فلسطينيين. لم يكن أحدهما أقل كفاءة من الآخر في التنافس على إحراز تقدم أكبر في استئصال ما يعيق تحقيق أهدافهما.
تفوقت عائلة الأسد على نتانياهو وأمثاله، وسبقتهم دائما بخطوة أو خطوات، فلا يجب أخذ النكبة التي ارتكبها الهاغانا وارهابيو أرغون وشتيرن، باقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، على أنها تفوق يحسب لهم لاحتلال أرض بالقوة، ما دام الرئيس الخالد احتل سورية بكلفة أقل بانقلابات واغتيالات وتسريحات، واعدامات، وسجون ومنافٍ. وكانت النتيجة واحدة، وإن اختلفت الوسائل الاجرامية.
أما الدرس الذي يتمنى حكام إسرائيل تقليده، فهو التخلص من الأسرى الفلسطينيين الذي يبلغ عددهم نحو خمسة آلاف، وهم أحد أسباب عملية “طوفان الأقصى”. مع أن خطوات تنفيذه أصبحت معروفة خطوة بخطوة، يكفي اقدام ضابط مع سريتين من الجنود المسلحين على اقتحام السجون وإطلاق الرصاص على المساجين العزل حتى الموت، فعلها في سورية ضابط مجرم يدعى رفعت الأسد، هو الأخ الشقيق للرئيس الخالد، أرسل سريتين من سرايا الدفاع وأطلقوا النار على خمسمائة سجين أعزل حتى الموت.
لن تواجه إسرائيل سوى معضلة واحدة في حال قررت الاقتداء به، هي قصة القرابات ليجري التسامح مع الضابط الذي سيأخذ على عاتقه هذه العملية، ثم مكافأته بعدة مئات من ملايين الدولارات. هذا قد يحدث في إسرائيل، والذرائع متوافرة، حسب الأسلوب الشائع في الغرب، فالضابط المجرم الذي سينفذ العملية، يمكن تبرئته والتسامح معه، لأنه كالمعتاد مجنون مختل العقل، المهم ليس إرهابيا، فالإرهاب لا يطال إلا المسلمين.
ليس من المستغرب، أن إسرائيل ترتكب أفظع الجرائم وتعتبر الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، بينما المستغرب أن جرائم النظام السوري لا تقل عن جاره، فلماذا يعتبر نظاما دكتاتوريا؟ هذا ما أشعر الرئيس السوري بالغبن، وهو في ذلك على حق، العدالة مفتقدة حتى بين المجرمين.
-
المصدر :
- العربي القديم