من المؤسف أن تكون أمجاد الصحافة السورية في الماضي، لا في الحاضر، لكن هذا ما اعتدنا عليه، فتاريخنا أيضا كانت امجاده في الماضي. وفي الحاضر باتت الاساءة إليه بمثابة الواجب. لماذا لا ندعه للمؤرخين، مادام أن كتابته لم تستكمل بعد؟ حسنا، إذا لم تفصل فيه جهودهم، فلن يفصل فيه جهابذة وسائل التواصل وأشباههم، الذين يعملون على تخريبه لمجرد التمظهر الثقافي.
كذلك بواكير الصحافة السورية، وتشمل الساخرة والتعتيم عليها. إذا بدت كأنها لم تكن، فلأنها بالدرجة الأولى سياسية، كما ينبغي للصحافة أن تكون. في وقتها حازت قدرا لافتا من مسؤولية الحق في النقد، كانت من الخطورة بحيث انها لم تُقارع فيما بعد، وانما قمعت وقتلت، بعدما امتلكت من الحرية في زمن الانتداب الفرنسي، ما لم تمتلكه في زمن حكومات العسكر أصحاب الانقلابات التي حررت الشعب السوري من التخلف والجهل وذهبت به إلى الاشتراكية والعدالة الاجتماعية، ومجتمع بلا طبقات، كانت البديل اللفظي عن الطغيان.
لم يكن لزمن الانفتاح على التوريث، أن يحل، الا بعد دفن الصحافة، حلت محلها مطبوعات من أخبار مراقبة، وإعلام مفبرك، مكللة بالقيود والمزيد من القيود، لا تحمل من الصحافة سوى العنوان، صحافة موالاة ليست عمياء، تدرك دورها في صناعة الأكاذيب، ما دام الذين يصنعونها مرتزقة.
اليوم، بوسع مشروع “العربي القديم” ان يقدم الكثير للسوريين من خلال ما كانت عليه الصحافة السورية، إذ من خلال الاطلاع عليها يمكن استشفاف الحالة السورية اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وثقافيا، كتاريخ يومي يكتب كما يُرى من عدة مستويات وزوايا قد تكون متعارضة أو متوافقة أو متناقضة، ما شكل حيوية المشهد الصحافي السوري في أزمنة بدأت أواخر الحكم العثماني مرورا بالانتداب الفرنسي، فالحكم الوطني، الوحدة والانفصال، الى بدايات البعث، وفي الأفق تلوح بدايات الدولة الشمولية.
في استعادة تلك الفترات، إدراك لنعمة حرية الصحافة رغم انها كانت محدودة، لكنها فعلت الكثير، وإدراك أوسع عندما لم تعدم الوسائل لاستنفادها، وإدراك أيضا إلى القدرة على استغلالها كما يجب ان تستغل.
هذا المشروع ينحو إلى استعادتها، لما تمثله من حيوية في التطرق إلى مسائل، في هذه الأيام قد تقود إلى الاخفاء القسري. لا تخفي العودة إليها، ما يواكبها من الأمل والعمل والرغبة في استئناف مسيرة بدأت، وفي استمرارها تقدير لمرحلة كانت مضيئة في تاريخ الصحافة السورية.