هناك اتجاه لا يفتأ يتزايد يدعو إلى تشديد الانتقادات على الجوائز الأدبية، خاصةً الرواية، ربما لأنها تُحدث مع كل إعلان عن النتائج الكثير من الضجيج. لا نقول إن أصحاب هذا الاتجاه جماعة متماسكة، وإلا شكّلوا حملة، وأفلحت دعواهم، في إجراء متغيرات تضمن عدالة معقولة، حسبما يزعمون. بيد أن ما لُوِّح به ليس أكثر من شكاوى غاضبة أو حانقة، مع نزر من الاتهام واللوم لا غنى عنهما. اللافت أن للجوائز سطوة لا ترحم من كثرة ما تثير من تساؤلات وتوجس، فالدعاية التي ترافقها، والمال الذي يتراءى من خلالها، الكاتب بحاجة إليه، عدا والأهم، الجائزة أقرب طريق للشهرة، لذا وجب الصمت.

بعض الاعتراضات على الجوائز لا تعدم الحقيقة، خاصة أن الوسط الثقافي لا يفتقر إلى مشاغبين من النوع الذي يرفع الصوت، والملاحَظ أن وجهة نظرهم يُعتد بها، ولا يتورعون عن الجهر بها، ما دام أنهم ينتقدون حكومات باطشة وأنظمة قمعية، فلماذا لا يجوز لهم انتقاد جهات ثقافية تخطئ وتصيب، وقد تخطئ أكثر من أن تصيب، لذلك وجب النقد.

لن نتطرق إلى ما يجري في كواليس الجوائز، لأن ما يُشاع لا علاقة له بالأدب، وإنما بالنفوذ الثقافي والشللية والعلاقات الشخصية. لذلك نرميه جانباً، لعدم قدرتنا على فرز الحقائق عن الشائعات المغرضة، فالموضوع ليس المال فقط، وإنما الشهرة أيضاً. وللأسف من دورة إلى دورة تتضاءل سمعة مردودها، فهي لا تصمد أكثر من شهر أو شهرين، ومن الجيد أن قيمة الجائزة لا تتضاءل.

بالنظر إلى الجهة المانحة، أُوكلت للمحكّمين الحرية المطلقة، مع مراعاة الشروط والإجراءات التي تقيدت بها جميع اللجان بالتداعي، وأصبحت قانوناً مرعياً، على سبيل المثال لا الحصر، الأخذ بالاعتبار التوزيع الجغرافي أكثر من القيمة الأدبية، أي أن المنفعة يجب أن تعم البلدان العربية، لهذا الأولوية للبلد المختار للجائزة، فلم تشكل مأزقاً بالنسبة للمحكمين، فحسب رأيهم، أن الروايات عموماً متشابهة ولا مشكلة في التمييز بينها.

ما يُشاع عن الجوائز لا علاقة له بالأدب، وإنما بالنفوذ

عدا أنه لا معايير ولا قواعد واضحة، لذلك مالت بعض الجوائز مرّةً لمصر بحكم ثقلها، وأُخرى للمغرب بحكم بعده، وثالثة للبنان بحكم تاريخه، كذلك ليبيا بحكم إغفالها، وعُمان لتسليط الضوء عليها… دائماً هناك سبب ما لمنحها لبلد دون آخر، وهو أمر لم يفهمه الروائيون، فالمفاضلة ليس في مجال الرواية، بل في الأفضليات بين الدول، التي قد تمثّلها دُور النشر، أو مسؤولو الدوائر الثقافية، أو مراكز القوى، مع عدم إغفال سبب إضافي لا يمكن تجاوزه، فللفساد نصيب كبير، لن نأتي عليه.

وكان للقوائم الطويلة الفضل في إخفاء هذه العيوب، حيث تضمّ من مختلف البلدان، مع التقيد بتحذير اعتُبر أمراً مفروغاً منه، بعدم منح الجوائز للروايات التي يُشتبه بإبدائها آراء سياسية، أكثر ما يتجلّى بموضوع الثورات، تحت زعم أن السياسة عدوّة الفن.

لئلا نلوم الجهات المانحة، لا ننسى أن الخليج بالنسبة للسياسة أكد على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد، فهي شأن سيادي، والجائزة لا علاقة لها بنظام الحكم ولا بالعدالة ولا بالظلم، عدا فلسطين ما زال لها حصّة، وإن إلى تراجُع حثيث، مع أنها أصبحت مأساة مستقرة والكثيرون يتعيشون منها، لذلك يجرى العمل على تقليصها بعد التطبيع مع “الدولة” التي كانت عدوة وأصبحت صديقة. عموماً، يبدو أن أكثر ما يناله المنع هو الحدث السوري، فكان الحرص على وضع روايات السوريين بالذات تحت الرقابة، لئلا تمس شأناً سيادياً متعارفاً عليه دولياً وأممياً. ولهذا حديث قادم.

ولا بأس أيضاً في التعرّض لما تثيره خيارات لجان التحكيم العشوائية، التي يبدو أنهم مضطرون إليها، بسبب ظهور طائفة كبرى من القراء ما انفكت تتوسع، تحيلنا إلى أن الرواية في ازدهار، لكنه ازدهار معطوب، عندما نلاحظ أن أغلبهم لا يشترون إلا الروايات الفائزة على أنها الوحيدة التي تستحق القراءة، ما يحرم عدداً هائلاً من الروايات من القراءة. لكن هل هي الوحيدة؟ ماذا لو كانت الروايات المختارة لا تستحق فعلاً ما يُروَّج لها؟ ألن تكون المثال النموذجي الصالح للاقتداء به، أو للتعلم منه؟

وُلدت الجوائز قوية، رغم المناورات التي اكتنفتها منذ بداياتها، واستطاعت احتلال مكانة مرموقة. وللأسف كل ما يمكن أن يكون جميلاً في بلادنا يبدأ تشويهه منذ اللحظة الأُولى. ولقد قُدّر لها حتى بهذه العقلية أن تكبر وتكبر، وكان إعلامياً بحتاً، ما رسّخ ازدهارها على قيود الدعاية، وفقدان الثقة بها مع الوقت، ما يؤهّلها للظفر بنهاية تراجيدية.