رواية المترجم الخائن للروائي فواز حداد* ترصد واقع الثقافة والصحافة في دمشق في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، تعكس الرواية المواقف اللإنسانية التي كانت تسود في تلك الأوساط بين المثقفين بتحريض من عناصر الأمن بغية محاربة كل صوت يُغرد خارج سرب جوقة السلطة.
الرواية سرد نثري طويل تصف شخصيات خيالية وأحداث على شكل قصص مُتداخلة تعتمد على الوصف والحوار وصراعات قابلة لكل احتمال وما ينطوي عليه تأزم العلاقات بين شخصيات الرواية.
أليست الترجمة أمانة ومهنة سامية؟ أليس المُترجم المُحلف أمين على نقل الرسالة من وإلى دون التدخل في سياق النص المكلف؟ لكن ما الضير إذا تم تغيير نهاية النص الروائي المُترجم وفق معايير الذائقة الشعبية السائدة تجنباً لخدش الحياء العام ولرفع معنويات القراء لبناء مستقبل واعد.
بلغة نثرية جميلة نتعرف على حامد سليم بطل رواية المترجم الخائن. حيث يتعمد حامد على تغيير نهاية الرواية المُترجمة عن الإنكليزية عن شاب من القارة السمراء يعود إلى بلده للمساهمة باعماره، بينما في الرواية الأصلية يتزوج الشاب الأفريقي من فتاة بيضاء ويكمل حياته في بلاد الغربة. وذلك ما يجعله خائناً في نظر الصحفي شريف حسني أحد رواد البروباغندا في الرواية.مسار الترجمة مُقدِمة لمسارات مُتعددة ومدخل لعوالم ومؤامرات ودسائس وإحباط وبؤس وخيانات زوجية في عالم الرجل والمرأة على حدٍ سواء.
تتكالب جهات عديدة على حامد سليم ويضطر تحت ضغط الحاجة إلى تغيير اسمه وتبني ثلاث اسماء مُستعارة كي يؤمن دخلاً لأسرته، فهو حلفاوي وحلفاني وحفلاوي. وكي لا يلقى مصير الروائي سميح حمدي الذي آثر العيش في الحارات الخلفية هرباً من مافيا الثقافة بعيداً عن صخب المدينة، يُهادن حامد ” أصحاب القرار ” كي يأمن شرهم.
تتجاوز الرواية مُحيط قلب العروبة النابض إلى بغداد وتونس وبيروت، عن بغداد عام 2003 ، عام السقوط والاحتلال عام المقاومة والقاعدة والطائفية وتمزق العراق ، عن العراق الذي استعاد حُريته وفقدَ كرامته كما ورد على لسان حسين مُرتضى النحات العراقي في ص 312، يتسأل حسين: وهل كانت كرامة العراق مُصانة أيام صدام حسين وولديه؟ عن تونس والثورة الفلسطينية المغدورة وعن إرهاصات الثوريين وعشقهم وحنينهم لرائحة تراب فلسطين وعن خيبات الفدائيين وصراعاتهم ونزقهم والعبث الذي يقود إلى مقتل عباس زوج وحبيب لميس برصاصة طائشة لتتحول بعدها زوجة الشهيد إلى الشعر الإباحي والتحرر من قيود المجتمع الذي مارس أبشع أنواع الاضطهاد عليها. ثم نتوجه إلى بيروت، بيروت الحداثة التي لم تتلوث بعدوى الإنقلابات وحكم العسكر ، بيروت الرائدة فكرياً والتي تجاوزت مفاهيم الواقعية الإشتراكية وابدعت في ريادة مفاهيم الثقافة الفرنسية من وجودية ومستقبلية وحداثوية وسريالية وأفكار ما بعد الحداثة والنيوليبرالية، بيروت كانت منارة فكرية للشرق وكي لا تتخلف عنها دمشق فكرياً وثقافياً، أخذ مُثقفوها- حسب الرواية- يستنسخون من اللبنانيين أفكارهم ويبتعدون رويداً رويداً عن دوغما الحزب الواحد والأخ الأكبر- التعبير من رواية جورج أورويل 1984- الرواية وصف لواقع عاشه المثقفون والصحفيون والفنانون والإعلاميون في سوريا تحت حكم الاستبداد، وهي في الوقت ذاته، فضح لمجموعة من المثقفين الذين يتلونون حسب أهواء السلطة، أولئك المثقفين الذين روجوا لشعارات قومية وثورية جوفاء يذكرها جيلنا بكل جلاء.
في الرواية ثلاث وجوه نسائية، بالحقيقة لميس وليلى شخصية واحدة بدورين وزمنين مُختلفين، هن رمز للاضطهاد والتشرد والبؤس والشقاء في عالم سيادة الذكورية، هن مشاريع مؤجلة لشهوات المُثقفين، ونماذج للتمرد، لكن دون أن تتمكنَ من نيل حُريتهن أسوة بالرجل. تحلم لميس كما حلمت ليلى وسوسن بعلاقات أفضل وبرجال اصحاء نفسياً وجسدياً.كانت ليلى ترى” في البشر أناساً معتوهين يائسين يستوقفون لحظات صغيرة من المتعة، دونما مُبالاة بما يرتعون فيه من تعاسة، وحياة تمضي دون تمييز، دون توانٍ، دون حُب، دون عاطفة، إلى خواء”ص399 . الرواية عن الزمن المفقود والقبيح، عن الرجال التقدميين كما الرجعيين” لم تثقْ سوسن، برجل مهما كان تقدمياً، تجاربها القديمة والجديدة علمتها أن الرجال التقدميين مثل الرجعيين متسلطون وحمقى”ص 471. الرواية بالنهاية هي: عن علاقة السلطة بالثقافة، عن الخيبات والعمل الفدائي وتشظي المفاهيم والقيم، عن إحياء شجرة الطائفية بعد غزو العراق، عن إحباط كل مُحاولة وسعي للتغيير.
إن الرواية تُلخص موت الابداع والتنكيل بالمعارضين عن تربة خصبة للفاسدين وللمُستفيدين انتهازيين وصوليين في مؤسسات النظام الراعي للفساد.