مع ظهور فيروس كورونا، وتخلي النظام عن اتخاذ أي اجراء تجاهه، استعاد شعار “سوريا الله حاميها” موقعه في مخيلة السوريين، بعدما استهلك مراراً، وظهر أن النظام المفترض أنه يحمي سوريا، قد دمرها وشتت أهاليها، منهم من نزح داخل البلد أو خارجها، الأعداد ليست قليلة، إنها بالملايين، عدا الذين يعانون من الغلاء والجوع، هذه حصيلة ما أسبغه النظام من حماية على البلد طوال نحو تسع سنوات عجاف.

الحالة تستحق الوقوف عندها ملياً، فالنظام المفلس من الدواء والعلاج، دفع الشعب إلى استدعاء الله، كأنما الحل سقط عن كاهل النظام، لمجرد أن الوباء لم يبد حراكاً في سوريا، مع أنه كان مرشحاً للظهور، ضمن حسابات لانتشاره في المنطقة. عموماً كانت سوريا غائبة عن العالم، وحتى الآن.

كان مجرد توقع ظهور الوباء تجربة قاسية، بينما سوريا تعاني من أوضاع بائسة. ما أثار الكثير من التساؤلات، فالفيروس مخادع، ربما كان كامناً. فعندما اجتاح العالم، بدءا من الصين مرورا بأوروبا وأمريكا، تحير العالم في مواجهته، حول نوع إجراءات الوقاية التي ستتبع، كان مخيراً بين سياسات الإغلاق مع ما فيها من إيقاف عجلة الاقتصاد، أو تبني خطة “مناعة القطيع” من دون كمامة وتباعد اجتماعي، ما يعني أنها ستفتك بكبار السن، عبّر عنها رئيس وزراء بريطانيا بصراحة “ودعوا أحباءكم”، وتراخت أمريكا، فحصد الوباء خلال أيام أعدادا كبيرا من الوفيات مع آلاف الإصابات، وبدأت المقابر الجماعية تتلقف مئات الجثث، بلغت الذروة في إيطاليا، حتى باتت المشكلة في اختيار الشخص الذي سيتلقى العناية الطبية المركزة، من بين آلاف المصابين الذين تعطلت رئاتهم، وانزلقوا نحو الموت.

في ذلك الوقت تماماً، أي في الذروة من تصاعد الوباء في العالم، بدت سوريا خالية منه، والوضع الصحي آمناً تماماً، لم تلحظ إصابات، عللها وزير الصحة بأن الجيش قضى على الوباء، وهو أمر كان قابلا للتصديق للوزير فحسب، فالجيش الذي قضى على الإرهابيين، لا يقف في وجهه مرض ولا وباء، وهو إنجاز منح النظام قوة رمزية تعود إلى صموده ضد الإرهاب طوال الحرب، ومن كثرة ما حقق من انتصارات بدا ألا حاجة له للدخول في معركة ضد فيروس لا يرى بالعين المجردة، كان فيه تقزيم للجيش بانتصار تافه. وهكذا تركت مقاومة الوباء للناس، والأغلب التعايش معه، بعدما قاسوا خلال السنوات الماضية ما يفوق الكورونا، فالشعب كان وما زال مهددا بالموت والجوع والنزوح والتشرد، ما يمنحه المناعة ضد وباء غير مرئي.

جرى تفسير خلو سوريا من الإصابات، إلى أن السوريين عندما كانوا أطفالا جرى تطعيمهم ضد الجدري أو السل… وربما مرت الجائحة بالبلد، وكانت مخففة، بسبب المناخ الشرق أوسطي. كما أسهم الشبيحة في إيراد نظريات عن علاقة المناعة السورية بشعارات المقاومة والممانعة. بعد هذا الاطمئنان والتفاؤل، بدأ الوباء بالانتشار، وصار من الممنوع الإشارة إليه، بالتكتم عليه، لدفع احتمال انتقال الوباء المستفحل في إيران إلى الداخل السوري، عن طريق رحلات الحجاج الإيرانيين، وحركة الميليشيات المذهبية التي لا يتوقف قدومها ولا رجوعها، كذلك الحدود غير الآمنة مع لبنان، فاقتنع وزير الصحة والسوريون أن الله ليس لديه استثناءات فهو لن يحمي السوريين، ويدع العالم كله طعما لفيروس الكورونا.

اعترف النظام أخيراً بالوباء، وأوكل أمر التغلب عليه للأجهزة الأمنية، فضبطت عدد الإصابات والضحايا عند أرقام لا تستحق الذكر، وأسهم الفضاء الافتراضي المفتوح لظهور خبراء وزعوا وصفات ناجعة للعلاج، أو إنكار الوباء واعتباره مؤامرة أمريكية أو صينية، وهي آراء نشرها أطباء ومهندسون وإعلاميون وخبراء تغذية وجغرافيون وطباخون… على شاكلة “فيالق الحمقى” الذين أتى على ذكرهم قبل سنوات امبرتو ايكو؛ يزعمون أنهم اختصاصيون أو مطلعون على بواطن الأمور، وجدوا لهم منفذا للكلام في وسائل التواصل، كانوا قد أسهموا من قبل بقراءة المستقبل والحظوظ وحركة الكوارث والاغتيالات وعودة داعش، وارتفاع العملات وانخفاضها، تروج على أنها حقائق دامغة يسترشد بها.

أما معالجة الوباء فتُركت لكفاءة السوريين في الموت بصمت.

ما يعطينا أنموذجا عن إدارة النظام للأزمات، كانت في إدارة ظهره لها، أسوة بتحول الحرب إلى أزمة دائمة، تتكدس من جرائها أزمات، ستعاني منها الأجيال القادمة عدة عقود لاحقة، والأسوأ أن تصبح سوريا مناطق نفوذ للدول المحتلة، ما يؤسس لدويلات متعادية. خاصة أن زيارة الوفد الروسي مؤخراً، لم تكن أفضل من سابقاتها، ما زال الروس ماضين بقضم الأرض للقواعد العسكرية وتوابعها، وتكبيل سوريا لعشرات السنين بعقود واستثمارات والاستيلاء على مصادر ثرواتها ، بعمليات ابتزاز مبرمجة، مستغلين أنهم يتعاملون مع نظام ليس حرا في قرارته، ما دام أنها تتخذ من أجل بقائه في السلطة.

ترى، ما الذي بقي من سوريا؟ ما دام أن الروس يتحركون مثل الوباء، ويتصرفون كأنهم المالكون الوحيدون لمقدرات البلد بالمشاركة مع الإيرانيين، حتى أنهم لم يوفروا الشبان، مستغلين أوضاعهم المعيشية المتردية، بتجنيدهم وإرسالهم إلى الحرب في ليبيا، لسبب واضح، تكلفة المقاتلين السوريين، أقل من تكلفة مرتزقة “فاغنر”.

ليس إن الله يحمي سوريا أو لا يحميها ، لكنها كما بقية البلدان تقع مسؤولية بقائها على نظام الحكم فيها، وإذا كان النظام السوري سيعالج الاختفاء المتدرج للبلد، كما عالج تفاقم انتشار فيروس كورنا، فالوباء الروسي أخطر من كورونا، خطره ينصب على الأرض والشعب معاً. لم يقدم حلاً للأزمة السورية، بقدر ما ساوم النظام على بقائه. لن تقوم سوريا من كبوة هي كارثة حقيقية، ولا بوسع النظام، أو الملالي، أو بوتين ولافروف، ولا حتى ترامب، ورئيس النظام، والأجهزة الأمنية ورجال الأعمال والشبيحة…. إنقاذ البلاد من المستنقع العالقة فيه، ولا هم قادرون على صناعة المستقبل السوري.

ليس هؤلاء جميعاً، إنه الشعب، الرقم الغائب عن صناعته.