قصة تزوير الانتخابات الرئاسية والتلاعب بنتائجها، لا تعني شيئاً، فليس هناك رقيب ولا حساب، أمر اعتاد عليه السوريون منذ حكم الرئيس الأب، ولم يشذ الرئيس الابن عنه. الخلاف ليس على النسبة الملفقة، ولا على العملية الانتخابية المفبركة. هذه كلها من تداعيات مرحلة لم تنته حتى بعد عشر سنوات، وفي الواقع نصف قرن من الاستبداد، تمثيلية سخيفة، لكن متى لم يكن هذا النظام سخيفاً أو دموياً؟

أجهزة السلطة وحدها أخذت العملية على محمل الجد، وجندت لها طاقاتها، بشر وباصات وسيارات وطبل وزمر وخيام واستنفار، ورجال أعمال لتوزيع حلويات وشاروما وقهوة مرّة، وتنظيم مسيرات جوالة في أنحاء سوريا للتشجيع على الانتخاب. كل هذا بإدارة الأجهزة الأمنية التي أصدرت تعليمات لموظفي الدولة بالتواجد للمشاركة بالتصويت، بعض الجهات تحمست واعتبرتها مهمة وطنية وهددت بمنع الخبز والغاز عن الأهالي، ومحاسبة المتخلفين عن التصويت.

في اليوم الموعود، كانت الباصات الممتلئة بالمؤيدين تذهب من مركز إلى مركز لأداء المهمة الوطنية عدة مرات، قد لا تقل عن سبع أو ثماني مرات. بعض المراكز لم تكلف نفسها هذا العناء تبرع الموظفون بتعبئة استمارات الانتخاب. هل هي لعبة؟ لكن لمن؟ حتى كلعبة لا تلعب بمهارة من فرط ما هي مفضوحة ومقززة. تكررت هذه المظاهر السقيمة، في كل مدينة وقرية، حتى ليحتار المراقب، لماذا الانتخابات؟ ومن يريدون اقناع الدول العربية أم الدول الغربية؟ كلاهما يعرفان أن الشعب لن ينتخب رئيساً دمر بلده، لكنها إجراءات تعني أن النظام القادر على كل شيء، لا يتورع عن فعل أي شيء. متى كانت الانتخابات في سورية طوال خمسة عقود تحتاج إلى ضمير؟ وها هو يكذب على نفسه، وليس على الشعب، وإن برز رئيساً منتخباً.

الجديد الممجوج، مشاركة الرئيس بوتين بالتهنئة، واصفاً العملية التي أدت إلى انتخاب الفائز بالرئاسة بأنها “أكدت بشكل كامل سمعتكم السياسية العالية وثقة مواطني بلدكم بالنهج الذي يمارس بقيادتكم” طبعاً، انتهزها الروس فرصة ليستعيدوا قصة أمجادهم في مساعدة النظام بإنقاذ سورية من الإرهابيين. وسوف نسمع سلسلة من الهراء في هذه المناسبة وغيرها من المناسبات، وحتى بلا مناسبة عن مدى إسهامهم في الانتصار، ويستغلونها في مديح تجربة أسلحتهم الجديدة.

تتالت رسائل التهنئة الأخرى من الرئيس الصيني، والرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، والرئيس الكوري الشمالي، وإيران الملالي، كلها أكدت بعبارات تقليدية جداً على أن الانتخابات شكلت انتصاراً للسلام والسيادة الوطنية السورية، وأشياء على نمط ما يقال في المناسبات التقليدية، فالدبلوماسية تتطلب من الدول الدكتاتورية المصادقة على الإجراءات التعسفية. هؤلاء هم أصدقاء النظام مجموعة من الشموليات، التي تقهر شعوبها، فلماذا لا تهنئ رئيساً حول بلده إلى نسخة طبق الأصل عن دولهم العتيدة؟

هذا الاستعراض شاركت فيه دكتاتوريات العالم بقيادة روسيا، بينما على الأرض السورية في الداخل مؤيدون عميان ومغرر بهم، وموالون منتفعون، وشبيحة يحاولون إخفاء جرائمهم بالصراخ والهتاف والجعير والدبكة، وشعب صامد خائف على كرامته، برهن طوال عشر سنوات بحلوها ومرها ودمويتها، على تحمل ما تحمله من قهر وعناء وشظف، ولم يظفر بالحرية، بل منع عنها، بتعاضد الروس والإيرانيين والإرهاب، ما ساعد الوريث على الانتصار عليهم، وحرماتهم حرية الاختيار.

بعد فوزه، وصف الرئيس المنتخب عملية الاقتراع بأنها لم تكن انتخابات بل ثورة. تحثه الرغبة في انتزاع وصف الثورة لحساب تمثيلية زائفة. يبدو حقده مفهوماً على الثورة، كانت اتهاما لنظام جائر، سقطت شرعيته عشرات المرات.

بينما وصف الذين في الخارج بأنهم ليسوا سوريين، بل حاملو جوازات سفر سورية. لكن سورية ليست مجرد جنسية، إنها وطن، لا يملكه أحد، ولا عائلة، إنها للجميع، هذا ما كان يجب أن يتعلمه، لكن فاته تعلمه وإدراكه، لأنه ليس وطنه، إنه دخيل عليه، كما هؤلاء الروس والإيرانيين.

ما يمكن الحديث عنه هو أن الفوز، ولو كان مصطنعاً، يمنحه سبع سنوات أخرى في السلطة، ويمدد حكم عائلته إلى نحو ستة عقود. بالنسبة للسوريين، سيعني تمديد مأساتهم مع هذا النظام الإجرامي. وفي الحقيقة، لن تحدث فارقاً كبيراً، إلا بالمزيد من الادعاءات وارتفاع منسوب الوعود والوعيد والأكاذيب. خلال السنوات القادمة سيحدث الكثير، لا ضمانات لنظام ضد الإنسانية، ولا ضمانات للدول الداعمة، كلها قابلة للسقوط.

هذا النظام مريض، ولا شفاء له أبداً إلا باقتلاعه من جذوره، نظام قائم على الفساد والغلّ وشراء الذمم والأحقاد، لن يمنح الموالين والمؤيدين له إلا أمراضه وتشوهاته، ليس هناك إنسان بمعنى الإنسان يصبح تابعا له، إلا إذا كان أعمى البصر والبصيرة.

إن الحرية أثمن ما في هذا الوجود، وليس من قبيل الكلام أن سورية تستحق الحياة، وأن الشعب تليق به الحرية، حرية أن يعيش بأمان وسلام، وليس تحت قمع نظام فاجر وطغمة منحطة. الحرية ليست منحة، إنها حق.