لم يعد النظام في سوريا في موقع الدفاع عن النفس، بعدما استرد أنفاسه. أصبح في موقع الهجوم، وأضاف إلى الكيماوي، والبراميل المتفجرة سلاحاً استثنائياً لا يقل عنهما فعالية على المدى البعيد: الكبتاغون، هذا السلاح موجه إلى الخارج، وتنعكس فوائده على الداخل السوري، إن أخلصت الادعاءات لا النوايا، سوف يرفع مستوى المعيشة، بتعديل الرواتب، وتخفيض الدولار، والكف عن استنزاف الشعب بالضرائب، وتسليط دوريات الجمارك، والتموين على الأسواق، وفي المستقبل القريب سيسهم في تمويل مشاريع الإعمار، دونما حاجة للغرب الاستعماري. طبعاً، لا يخلو من استعمالات مفيدة إضافية أخرى.
لا تحمل هذه المقدمة أي مبالغة، إلا الادعاء برفع مستوى المعيشة للشعب الذي لامس أدنى مستويات الفقر. فالمبالغ التي سيدرها الكبتاغون على البلد كتجارة لا تخضع للقوانين الدولية، وهي من فوائد مقاطعة العالم لسوريا، ما يجعل النظام يستفيد من الحصار الأمريكي، والعمل في عزلة تحقق الاكتفاء الذاتي بالاعتماد على سواعد الشبيحة.
المعروف أن ميليشيات الساحل، المقربة من الرئاسة، استحوذت منذ سنوات على الحقوق الحصرية لتجارة المخدرات، فكانت سوريا مركز عبور، وتوزيع، أضيف إليها مع الوقت بمساعدة خبراء لبنانيين مقاومين، جعلها مركزاً لزراعة المخدرات أيضاً. اليوم أصبحت مركزاً رئيسياً لصناعة الكبتاغون، بوجود مصنعين في ريفي مدينتي جبلة، واللاذقية، تنتج كميات كبيرةً من هذا المستحضر المعد للتصدير بالدرجة الأولى، فالاستهلاك الداخلي محدود بعدد السكان المتناقص.
لم تستطع ميليشيات الساحل إيفاء الطلبات المتزايدة من البلدان المجاورة، فكيف، والهدف العالم كله؟ تتطلب التجارة التحرك على مستوى مكافئ للمستقبل القادم. سرعان ما توالدت مصانع الكبتاغون كالفطر في أرجاء البلاد، فبلغت أكثر من سبعين معملاً خاصة، وهي لا تحتاج إلى رخصة، الكثير منها ظهر على عجل، حتى أن بعضها صغير، ومحشور في حارات سكنية، لا تحتاج إلى أكثر من عدة عمال، ومكابس بدائية تُصنع محلياً، ومواد أولية تأتي عن طريق التهريب من العراق، ولبنان، فالحدود مفتوحة للممنوعات المتعارف عليها.
ولئلا يحصل تسيب في انتشار المعامل، وضعت المجموعة الأولى، تحت إشراف القصر الجمهوري، والفرقة الرابعة، صحيح أنها ظلت بلا رخصة، لكنها راعت الشروط الملائمة لإنتاج بمئات الملايين، وفي تصاعد مستمر، وما هو جدير بالذكر أنها سورية بحتة، بأيدي سوريين، وبخبراء سوريين أصبحوا ضليعين فيها. بالمختصر، الصناعة تشبيحية بحتة، وبامتياز، على أمل استهداف العالم المعارض لتمويل إعادة الإعمار.
بينما المجموعة الثانية، وضعت تحت إشراف حزب الله اللبناني، والحرس الثوري الإيراني، وبسواعد، وخبرات لبنانية إيرانية، وهي صناعة ميليشياوية مقاومة. علماً أن لهذه الجهات تاريخاً طويلاً بالمخدرات، استدركتها أخيراً بالكبتاغون، فالمعركة مع إسرائيل تتطلب إيرانياً، تصديره إلى الخليج، والسعودية.
ضرورات التعاون أملت على المجموعتين، عدم احتكار الأسواق فخضعت للتنافس الشريف بينهما، فتقاسماها، وإن أصبحت شراكة، فالأعداء مشتركون، كما أن الصناعة أصلاً كانت هادفة سياسياً، فبلغ الإنتاج في ظل هذا التفاهم أرقاماً غير مسبوقة، تكفي لتخدير العالم المعادي عدة مرات.
سوريا باتت اليوم على مستوىً عالمي، ليس في التصنيع فقط، بل في ممارسة تجارة واعدة، استمراريتها من مقومات نجاحها، بتشييد بنية تحتية صلبة، مزودة بآلات أوتوماتيكية قادرة على إنتاج كميات ضخمة، ومستودعات لتخزين المواد الأولية، والبضاعة المعدة للتصدير، وعمال مهرة لإخفاء حبوب البنتاغون في أماكن لا تخطر على بال، تحتاج إلى أفكار خلاقة، كتعبئتها في حبات الرمان وأفخاذ اللحم، وداخل العظام، وأحشاء الحيوانات الحية، والمذبوحة… كذلك التغلب على مشكلات التسويق من ناحية إمكانية الوصول إلى ممرات الشحن في البحر المتوسط، وغداً إلى المحيط الأطلسي، أما طرق التهريب البرية إلى الأردن، ولبنان، والعراق، فليست الطرق المعروفة، وإنما التفافية معقدة، ولو أنها ستقطع مسافات أطول، مع بعض المخاطر، لا سيما المناطق الجديدة من العالم، ما كلفها ضبط المخدرات في تركيا، ومصر، واليونان، وإيطاليا، وفي موانئ بألمانيا، ورومانيا، وماليزيا. مع أن معظم هذه البلدان ليست أسواقاً مهمة للكبتاغون حالياً، ولكنها مجرد محطات تتوقف في طريقها ربما إلى الخليج، أو أسواق أخرى مضمونة، ريثما تشق طريقها إلى أسواق واعدة، ستخترقها بأسعار مضاربة.
تغض روسيا النظر عن هذه التجارة، وتدعي الجهل بها، لتظهر أنها متقيدة بالأعراف الدولية، مع تعهد النظام بعدم تحويل أي شحنة نحو الحدود الروسية، فالوضع الروسي لا يسمح بإدمان الأصدقاء الروس على المخدرات، إضافة إلى الكحول.
بجميع المقاييس، هذه حرب يشنها النظام الممانع على دول العالم. لو لم تكن مؤثرة لما هبت في أمريكا أصوات من الكونغرس تطالب باستراتيجية شاملة لمواجهة، وتعطيل شبكات المخدرات التابعة لنظام الرئيس في سوريا.
لسنا في فيلم عصابات هوليوودي، إنها سينما حقيقية، سينما الواقع، المواقع حقيقية، والتصوير مباشر. أما الغرض النهائي فهو تحشيش العالم. لماذا؟ إن لم يكن العالم مخدراً، فلن يقبل بما يجري في سوريا، ينبغي على العالم ألا يفكر.
-
المصدر :
- الناس نيوز