في صورتها الحاضرة التي آلت إليها، تبدو سوريا الحلّ الأمثل، القابل للاستمرار والدعم من بلدان الجوار والمنطقة وبلدان الغرب، فهي تشكّل عامل جذب لذوي النزعات الجهادية المتطرفة. غير خاف أن التسهيلات للقادمين إلى سوريا من القارّة الأوروبية من ذوي الأصول العربية، توفّرها لهم دولهم بغية التخلّص منهم، إذ لا مكان لهم في جنة أوروبا الديمقراطية، التي لا تعتقد بالأديان السماوية إلا على أساس علماني، علاقة بالرب تخفّف عن المظلومين، ولا تسمح بتحقيق ذواتهم المضطهدة، بالتواجد على خارطة الحياة التي ستصبح خارطة الجهاد، إلا في الأراضي التي لها صلة بالربّ. كذلك المقاتلون الشيشان المطاردون من الروس، ينطلقون إلى عالم المؤمنون فيه أخوة، في أي أرض كانوا، لا أوطان محتلة، ولا مستباحة. الحدود أمامهم مفتوحة، والخيارات مفتوحة.

كفّت الديموقراطيات العتيدة قوانينها المضادة للإرهاب عن العمل. وغضّت النظر عنهم، ما دام بالإمكان تصديرهم إلى بيئات ملائمة، تكفيهم شرور احتجاجاتهم، وعبثهم بأمان واستقرار مواطنيهم المسالمين. من هذا المنظار وفّروا للغاضبين، وربما الإرهابيين، المجال الحيوي لتفريغ نزعاتهم التدميرية، في بيئات تعجب الأضرحة والتماثيل والأولياء، وآثار كافرة، وأصنام ينبغي اقتلاعها من جذورها، وموت يحلمون به، أكثر تكيّفاً مع مطامحهم غير الدنيوية، يمارسون توقهم إلى الشهادة في شام شريف، بلد تجري فيه الدماء وتسيل الدموع، الضحايا أرقام بلا أسماء، والجنازات بلا مشيّعين ولا مآتم.

لا ترغب الدول المصدّرة في عودة مواطنيها الضالين، حتى بعدما أفرغوا عصابهم الديني بعيداً عنها. السماح لهم بالذهاب إلى سوريا، ليس سياحة، بل رحلة ذهاب بلا عودة، رحلة إلى الموت.

من جانب آخر، لئلا تشكّل هذه الهجرات عدم توازن على مجريات الحرب السورية، بادرت إيران إلى التذكرة بما قاساه الأجداد من مظالم، ليس حسب التقاليد المعتادة سنوياً، وإنما بإرسال المتطوّعين اللبنانيين والعراقيين إلى أرض المعركة، لإطفاء ظمأهم إلى جهاد على النمط الشيعي، ذوداً عن الأضرحة والمزارات الشيعية، فاقتحمت القصير والقلمون وحمص.

النظام البعثي، المعوّل على علمانيته، ترك تصفية حسابات المذاهب المسلحة ومعها الانشقاقات القاعدية، للجهاديين من الأطراف كافة. وظهر الجيش السوري في ظلّ هذه المعادلة المجدّدة والأخيرة، جيشاً مقاتلاً، يسعى إلى عقد الهدنة تلو الهدنة، دفاعاً عن أمن البلد واستقراره، أسوة ببلدان العالم المتحضّر، بالسير على خطاها، ولو كان بالبراميل المتفجّرة، بما يوحي بعودة الوعي إلى النظام، هناك من أخذ الحرب الطائفية على عاتقه، فأعطى شيئاً من جهده لممارسة الديمقراطية، بأبهى صورها، الدعاية لترشيحات الرئاسة، والاستعداد لصناديق الانتخاب.

بيد أن ما خطّط له، يفقد فاعليته على الأرض منذ زمن ليس بالبعيد. كل طرف اختطّ مساره الخاص، فالنظام الذي جرّب وأطلق المعتقلين الجهاديين من سجونه، بات يخشى منهم، بعدما تكاثرت أعدادهم ومصادر تمويلهم، وأصبحت لهم أجنداتهم الخاصة، ولم يعد ممكناً القضاء عليهم بالسهولة التي تصوّرها. كذلك الميليشيات اللبنانية والعراقية، أصبح لهما مخطّطات ترسمها إيران، يعبّر عنها طموح الإيرانيين إلى إرسال جيش من الباسيج للدفاع عن النظام، وإنشاء حزب الله سوري، بناء على تصريحات سحبت من التداول، بعد أن أدّت غرضها في الإبلاغ، وجسّ نبض دول الجوار والعالم. أما الجهاديون، فلا أقلّ من الخلافة وتطبيق الشريعة على أصولها المتحجّرة.

لم تتفق دول العالم، كما هي متفقة ومتوافقة حالياً،على إبقاء الحرب السورية مشتعلة، باعتبار أن الأرض السورية أرضاً مستأجرة، لتطويق النزاعات في داخلها، بدلاً من تبعثرها، ولهذا كانت المساعدات لهذا البلد المنكوب غير مجانية، كانت تعويضاً للبلد المضيف، عن احتضانه ضيوفاً غير مرغوب برجوعهم إلى بلدانهم، ولو كانوا منتصرين، الانتصار الوحيد هو الموت.

المساعدات الإنسانية سخيّة، عينية ومادية، وأسلحة غير فتاكة، كي لا تشكّل مأساة النازحين ضغطاً على المجتمع الدولي، وتتكاثر الدعوات لإيجاد حل لعودتهم إلى أراضيهم وبيوتهم. للأسف لا حلّ آخر، الحرب ينبغي أن تستمر فوق أراضيهم وبيوتهم وجثثهم.